سأعتذرُ بدايةً للرجلين عن تجريدهما من لقبيهما الأكاديمي والاستحقاقي؛ لأنني ببساطةٍ سأذكرهما مرارا في هذا المنشور، وسـ"أفَطِّحُ رأسي" لأجعلَ ذلك سبباً كافياًّ أمنحُ نفسي بموجبه حقَّ ذكر اسميهما حافيين.
في البدايةِ هل سأبدو سخيفاً حين أقولُ إن الرجلين يتشابهان كثيرا؟!
سأتركُ المحتوى جانباً؛ سأتغافلُ عن المضمون هذه المرة... وسأسْتجْوبُ الشكلَ فقط ؛ حيث كان الشكلُ هو أكثر ما استهواني يوم أمس.
بدا الرجلان كأنهما اتفقا على أن يتشابها شكلاً ليسخرا من وجهتيْ نظرهما المتنافرتين.
كلاهما يرتدي دراعةً زرقاء، من بَزَاهٍ متوسطِ الجودة؛ وكلاهما يرتدي تحتَها قميصاً ناصعَ البياضِ مع فرقٍ بسيط، أنَّ قميصَ الكنتيِّ أطولُ كُماًّ من قميصِ جميل؛ ما أعطاني شخصيا انطباعا أن الأخير أكثرُ أناقةً، بينما الأول أكثر رسمية.
كلاهما يرتدي ساعةً أنيقةً، ولكنَّ ساعة جميل منصور، ذات اللون الأبيض المائل للرمادي، بدت لي أكثر أناقة من ساعة الكنتي الصفراء، التي تختفي حينا تحت كم قميصه الأيسر، وتظهر تارة حينما يريد أن ينظر إليها عرضاً.
كلاهما يؤثثُ وجهه بلحيةٍ خفيفةٍ، وإن كانت لحية الكنتي أكثر كثافة قليلا من لحية جميل؛ وكلاهما وخطَ الشيبُ لحيته، وتمازج الأبيض والأسود مناصفةً. كان شعرُ الوجه لكل منهما يمتُّ بصلة انسجامٍ إلى الجالسين بينهما؛ فكأن لحيةَ الدكتور سيد اعمر الخفيفة، وشاربَ الدكتور عبد الصمد وُجِدا خصيصا في القاعة لجعل اللوحةِ متوازنةً، خصوصا حينما ينتصبُ بينها الأستاذ يحي (مدير الجلسة) ذو الوجه الأمرد..
لكليهما نظاراتٌ طبيةٌ أنيقةٌ، رغم أنني أميلُ أكثر إلى اختيار إطار نظارات الكنتي، وهو إطار أسودُ يعطي منظراً أكثر شبابية.. ولكن نظارات جميل منصور تعطي إحساسا بالرزانة.
الكنتيُّ كان تقريبا يسجل كل كلمة قيلت، يعطي انطباعاً أنه حاضر، وأنه مهتم بكلام الجميع؛ بينما كان جميل يدون نادرا، غير أن أسلوبه في الإنصاتِ جعلني حائرا في أيهما كان مهتما أكثر بكلام الآخرين.. هل الذي يدونه حرفيا أم الذي ينصت إليه بكامل حضوره؟
كانت طريقة جميل منصور في الكلام كعادته ساحرة تشد السامع حتى وإن كان لا يوافق المتكلم في وجهة نظره.. ولكن ركون الكنتي إلى الحسانية أعطاه حرية في اختيار بعض المفردات قربته أكثر إلى الجمهور.
جميل كان يوقف المصفقين له كل مرة ليواصل حديثه، فكأنه عازفُ عودٍ يريد أن ينهي جملته الموسيقية أولاً وبعد ذلك فليصفق الجمهور كما شاء، بيننا كان الكنتي يترك لمصفقيه هامشا للتصفيق، ويسكت قليلاً كأنه ممثلٌ محترفٌ يسكت دون أن يتخلى عن "الفعل المسرحي"، ويواصل من حيت توقف حين يصمت الجمهور.
بدا جميل منصور أكثر تقدمية بيننا بدا الكنتي أكثر محافظة.. وددت أن أشرح أكثر، ولكنني قررت أن تتحدث هذه التدوينة عن الشكل فقط وليس المحتوى.
بدا الكنتي أكثر ميلا إلى "المنطق" بينما كان جميل أكثر ميلا إلى المحاججة الموازية.. أي الحديث في منطقته ليقنعَ، دون أن يفند حرفيا منطقَ الطرف الآخر.
كان الكنتي أكثر "وضوحا" بينما اختار جميل "التورية"،رغم تبادل الأدوار بينهما في هذه النقطة قليلا...
هل كانَ اختيارُ الكنتي ليسار المنصة يمين الجمهور له دلالة ما؟ أم أن جميل هو الذي آثر أن يكون على يمين جميع المتدخلين، ويسار الجمهور الحاضر عن وعي؟
وهل وجود الدكتور سيد أعمر بمحاذاة الكنتي، والدكتور عبد الصمد بجانب جميل، هو تموضعٌ بالصدفة؟ أم تكتيكٌ عن سبق إصرار وترصد؟ لقد بدا الأمر وكأنهما مدافعين يلعبان باستراتيجية رجل لرجل.
أخيرا معجب أنا بالرجلين مع بعض المآخذ على كليهما
وخلاص
------------------
من صفحة الأستاذ محمد ايدومو على الفيس بوك