يُقالُ أن مقاتِلة الخوارج، وخصوصاً الأزارقة، المتوطِّدين بأكناف وجبال البصرة، كانوا يختبِرون إيمان المُنضَمِ إليهم بأن يعطوه أسيراً من قبيلته فيقطع عنقه. ولا يُصبِحُ المرء أزارقياً إلاّ بعد التخلُّص من قداستِه القبليّة. اختبار جدي، ها؟
ولكن، وكما أظهر لنا دارسو الخوارج، فإنّ ما حرّكَهم كان مفهوماً عشائرياً للمجتمع. فقد ترجموا الإيمان إلى هويّة مضاربيّة، وصاروا يُخرِجون الفرد من المجموعة لفشلة في الانتساب إلى هويتِها الفكرية. ما أريد أن ترتيبه هنا هو أن الأزارقة خرجوا من القبائليّة الجسديّة إلى القبائلية الفكريَة.
وفي الحقيقة فإن مشكلتنا اليوم في عالم الأفكار ليست العشائرية القديمة. أقصى ما تفعله تلك هو قراءة الأفكار بخلفيّة قبلية. أما القبائلة الفكرية فهي تنتقل من العصبيّة إلى التعصُّب. ويمكن لقبائلي فكري أن "يؤمن" بأفكار مفكر لم يقرأ له إطلاقاً، فقط لأنه في خندقه السياسي. وهو يُسبِّحُ بحمد زعيم سياسي يُهاجِمُ كلّ خصائله في بقيّة الزعماء السياسيين. وهو لا يمكل في مجال الأفكار غير الإطناب والطاعة داخل القطيع؛ والهجاء والفحش في الخارِج. إن العصبية الفكرية تجمع أشخاصاً من قبائل شتى. وتبدو ظاهرياً كما لو أنّها ما بعد قبليّة. بينما هي في الحقيقة رأسملة وتجديد للعشائرية.
---------------------
من صفحة الاستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك