بات الحديث عن "بيع" و "مصادرة" الأملاك العقارية التابعة للدولة؛ خاصة المساحات الأرضية ذات النفع العام والموقع الإستراتيجي من قبل خصوصيين؛ أبرز مواضيع الجدل داخل أوساط الرأي العام الوطني، وعبر وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي.
فبعد بيع جزء من مساحة المدرسة الوطنية للشرطة لأحد الخواص، وبيع مساحة "بلوكات" بقلب العاصمة، وبيع بعض المدارس العمومية العريقة لآخرين، والتنازل عن مساحات شاسعة من أرض مطار نواكشوط الدولي الحالي، ومساحات أخرى في منطقة صكوك لفائدة شركة "النجاح للأشغال الكبرى"، في مقايضة ضمن صفقة إنجاز المطار الدولي الجديد (أم التونسي)؛ هاهي نفس الشركة تستحوذ على 90 هكتارا إضافية في منطقة ما يعرف بـ "سانتر إيميتير" ذات الأهمية الاستيراتيجية والموقع المتميز جدا، رغم كونها مملوكة لإحدى الشركات الوطنية ذات رأس المال المختلط التي تضم حصصا مملوكة للدولة الموريتانية وأخرى لشريك إستراتيجي أجنبي.
تعود جذور ملكية أرض ما يعرف بمنطقة "سانتر أميتير" (مركز البث) إلى أواخر تسعينيات القرن المنصرم حين قررت الحكومة الموريتانية ـ آنذاك ـ القيام بإصلاحات اقتصادية ومالية شملت قطاع الاتصالات؛ عبر فتح رأس مال بعض المؤسسات العمومية وفي طليعتها الهيئة الوطنية للبريد والمواصلات بعد فصلها إلى هيئتين إحداهما (موريبوست) للبريد والأخرى (موريتل) للاتصالات (الهاتف، الفاكس، الإنترنت، التلكس... إلخ)، أمام القطاع الخاص..
وبموجب إنشاء الشركة الجديدة تم تحويل مركز البث الأصلي ليتبع لها ضمانا لنجاح المهام الموكلة إليها على الوجه الأكمل؛ فيما ظلت ملكية الأرض على حالها، أي لشركة موريتل بموجب وثيقة ملكية عقارية تحدد مساحتها الإجمالية وما بها من أملاك ثابتة.
بيد أن جشع بعض المستثمرين الخصوصيين، وتحديدا بعض كبار المقاولين المحليين، طال هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية الحساسة بالنسبة للصالح الوطني العام؛ فتم قضمها من قبل العملاق العقاري الجديد المتمثل في شركة "النجاح" للأشغال الكبرى ؛ فاستصدرت مرسوما من الدولة يقضي بمنحها 90 هكتارا من أراضي منطقة مركز البث آنفة الذكر.
مقايضات بطعم الابتزاز
لا يخفي عدد من المراقبين المهتمين بالشأن الاقتصادي عموما، والمتابعين لمسار تطور مشروع بناء مطار نواكشوط الدولي الجديد على وجه الخصوص، خشيتهم من وجود نوع من الابتزاز تمارسه شركة "النجاح" على السلطات العمومية بهدف جني أقصى حد من الأرباح والفوائد الإضافية من صفقة المطار، عبر التلويح بتأخير موعد تسليمه تحت ضغط محدودية الوسائل..
ويجد هذا الطرح ما يدعمه ـ حسب هؤلاء ـ من خلال اقتراب موعد التسليم الأصلي، وتزامنه مع حدث دولي بمستوى قمة جامعة الدول العربية، بعد أن تغير مكان انعقادها من المغرب إلى موريتانيا.. وهو حدث لم يكن في الحسبان قبل الشهر الجاري؛ وهو ما يستدعي من الحكومة مضاعفة جهودها لضمان جاهزية المطار قبل موعد انعقاد القمة بعد أشهر قليلة؛ ما منح المقاول المتعهد بالأشغال "فرصة" أخرى على طبق من ذهب ليبادر باستغلالها، مثلما استثمر سابقاتها، فعمد إلى ممارسة أسلوب الابتزاز لتحقيق مزيد من الفوائد العقارية التي أكدت تجربته فيما سبق منها أنها مجال مربع إلى أقصى الحدود.
وهكذا أصدرت الحكومة مرسوما يقضي بالتنازل لشركة النجاح عن أراضي "ساتنتر إيميتير" المملوكة لشركة موريتل، بعد أن نجحت هذه الأخيرة في إثبات أحقيتها بها إثر نزاع عقاري حول تلك الملكية سبق أن احتدم بينها وبين إذاعة موريتانيا أيام وجودها ضمن نظام الشركات العمومية ذات الطابع الإداري.
تطور غير مسبوق يرى بعض المحللين الاقتصاديين أنه سيحدث انعكاسات غاية في السلبية على مناخ الاستثمار في البلد؛ عبر إفقاد المستثمرين الخارجيين الطمأنينة على استثماراتهم المحتملة في موريتانيا؛ وجعل الشركاء الحاليين يتوجسون خيفة من الاستمرار في أنشطتهم الاقتصادية والتجارية في البلد؛ إلى جانب تبعات سلبية أخرى قد تطال الجوانب الاجتماعية (اتساع دائرة البطالة وتراجع مستوى جودة بعض الخدمات الأساسية)، وتسيء لبعض أوجه الصورة الدبلوماسية للبلد على المستوى الخارجي؛ ما يجعل من الملح مراجعة بعض جوانب سياسة المقايضة بين القطاعين العام والخاص ضمن صفقات إقامة البنية التحتية وغيرها من المنشآت العمومية الأخرى..