"إفريقيا والتنافس الإعلامي الدولي" ورقة مميزة للباحث سيدي احمد الأمير | 28 نوفمبر

الفيس بوك

إعلان

"إفريقيا والتنافس الإعلامي الدولي" ورقة مميزة للباحث سيدي احمد الأمير

ثلاثاء, 04/05/2016 - 00:39

قدم الباحث الموريتانى المعروف سيدي احمد ولد الأمير محاضرة هامة ضمن الجلسة العلمية الأولى للمؤتمر الدولى الثانى لنقابة الصحفيين الموريتانيين حول الحريات، وقد تطرقت الورقة الغنية بالمعلومات والوقائع والتصورات إلى مجمل الإشكالات المطروحة والتى مهدت للإعلام الدولى في الدخول في مغامرة التنافس على ا لقارة الإفريقية، 28 نوفمبر ينشر نص المحاضرة العميقة:

 

عنوان الورقة: إفريقيا والتنافس الإعلامي الدولي

إعداد: د سيدي أحمد ولد الأمير

مهتم بالقضايا الإفريقي

 

 

"إذا لم تعرف إلى أين تذهب فاعرف من أين أتيت"

مثل إفريقي

إفريقيا والتنافس الإعلامي الدولي

 

لماذا كانت وما زالت قارتنا الإفريقية ساحة معركة بين وسائل الإعلام العابرة للحدود؟

ما طبيعة المشاريع الإعلامية التي تتنافس على إفريقيا وما الأسباب التي جعلت القارة الأفريقية ينظر إليها إعلاميا على أنها مجالٌ للتنافس؟

هل تهدف المؤسسات التي تمارس يوميا تدفقا للمعلومات مع توسع شبكة الانترنت تعمق هذا "التدفق الإعلامي الجديد"، إلى إرواء عطش المواطن الإفريقي وتزويده بالمعلومات قبل أن تؤدي مشاريعها الخاصة عبر وسائطها المتعددة؟

 ما مستقبل الإعلام في إفريقيا؟

 

عودة قليلة إلى الوراء

 

نحن اليوم أمام غزو للقارة الإفريقية لا يقل في قوته وعنفوانه عن غزو الجيوش والاحتلال والسيطرة.

قبل أقل من سنتين كثر استعمال عبارة "إفريقيا ألدورادو الإعلام العالمي".

الأمر ليس سوى استمرار لتاريخ طويل من مشاريع إعلامية أطلقتها محطات إذاعية وتلفزيونية دولية وحتى منصات إلكترونية لتوفير مواد إعلامية تستهدف الجمهور الأفريقي.

 

 

تاريخ طويل من الاهتمام الإعلامي بإفريقيا

ظلت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومنذ الاستقلال جزءا من الحرب الباردة، ولذلك ظلت هدفا خاصا لكثير من الإذاعات الأجنبية وبلغات مختلفة، إذاعات عالمية من مصدرين أساسيين: القوى الاستعمارية السابقة والولايات المتحدة، أو من الدول الشيوعية.

في عامي 1958 و 1959، انطلقت على التوالي كل من راديو موسكو وراديو بكين مدشنتين برامج إذاعية باللغة الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية إلى القارة الإفريقية، وستضيف هاتان المحطتان عام 1961، أول برامج باللغة السواحلية.

 

إفريقيا في مهب الإعلام الدولي

 

خلال فترة الاستعمار بثت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) إلى القارة باللغة الإنجليزية، في عام 1957 باللغات الإفريقية (السواحلية والصومالية والهوسا).

 بدأت البي بي سي في عام 1960 وغداة استقلال الكثير من الدول الإفريقية تبث برامجها باللغة الفرنسية موجهة بذلك مادتها الإعلامية نحو الفضاء الفرنكفوني الإفريقي. أما صوت أمريكا (VOA) فأطلقت برامجها نحو إفريقيا أولا في اللغة الإنجليزية في عام 1959، وبالفرنسية بعد ذلك بعام ثم بالسواحيلية في عام 1962.  

دخلت دولة البرتغال على الخط بتدشن إذاعة باللغة البرتغالية إلى البلدان الأفريقية الناطقة بالبرتغالية مع عام 1960، وباللغة الإنجليزية دشنت بثا موجها لشرق أفريقيا.

 

إفريقيا في مهب الإعلام الدولي

لم تكن فرنسا بالغائبة عن هذا التنافس حيث كان لإذاعة فرنسا الدولية قسما خاصا بإفريقيا يبث باللغة الفرنسية ظل يتطور ويتمدد منذ نهاية خمسينات القرن الماضي.

وتشكل مجلة جون أفريك الواسعة الانتشار، المتأسسة بباريس عام 1960، أول مجلة إعلامية بالفرنسية موجهة خصيصا للجمهور الإفريقي القارئ بالفرنسية.

 ولإذاعة فرنسا الدولية قسم إفريقي من أنشط الأقسام الإذاعية وأكثرها تمرسا بالفضاء الإفريقي الفرنكفوني وقد تأسس عام 1981.

وفي هذا السياق تندرج إذاعة Africa n1 التي انطلقت سنة 1981 بتمويل فرنسي,

 

إفريقيا في مهب الإعلام الدولي

وفي نفس السياق برزت للوجود إذاعات عدة موجهة لإفريقيا من دول ليست الضرورة ذات تاريخ استعماري مثل إذاعة "سيدني هيد" (Sydney Head) التي انطلق بثها من أستراليا سنة 1974.

انضم مؤخرا إلى هذه الدينامية موقع هافينغتون بوست الخاص بإفريقيا (Huffington Post Afrique) وهو موقع إعلام أمريكي مستقل بالعديد من لغات العالم وموجه للكثير من المناطق، وكذلك موقع سلايت آفريك (Slate Afrique)، وهي مجلة أمريكية مستقلة على الشبكة، وهي ذات طبيعة إخبارية وتحليلية، وقد تأسست سنة 1996، ونسختها الفرنسية أطلقت 2009 أما نسختها الإفريقية فأطلقت 2011.

 

اهتمام إعلامي عربي مبكر بالقارة الإفريقية

لم تكن بعض الدول العربية الأفريقية والتي نالت استقلالها بالغائبة عن هذا الجو الإعلامي التنافسي حيث دشنت مصر في عهد الرئيس الراحل جمال الناصر صوت القاهرة وكان أول بث لها باللغة السواحيلية عام 1954، لتنشئ بعد ذلك محطة إذاعية بالإنجليزية موجهة نحو غانا عام 1959، وتلتها أخرى موجهة لنيجيريا في عام 1962، لتدشن إذاعة صوت القاهرة البث الدولي الذي يغطي القارة كلها بالفرنسية والإنجليزية والعربية والهوسا والسواحيلية بعد ذلك.

 

هل صار الإعلام الغربي جزءا من البيئة الإعلامية الإفريقية؟

ظلت لجميع الإذاعات الدولية صدى واسع لدى المستمعين الأفارقة حيث يجدون فيها أصواتا غير الصوت الرسمي الأحادي الذي يتبناه الإعلامي المحلي.

شكلت هذه الإذاعات مصدرا للمعلومات يعكس توجه دول المصدر لكنه يعطي انطباعا بالاستقلالية والمهنية للأخبار المحلية الإفريقية.

مع التعددية السياسية التي عرفتها القارة الإفريقية بداية تسعينيات القرن الماضي فقد سمحت الأنظمة السياسية بانفتاح إعلامي مستقل نسبيا كلما اتسعت دائرة حريته كلما صار الناس يتابعونه.

ما زالت الإذاعات العالمية الكبرى المهتمة بالقارة الإفريقية تستفيد من التضييق الإعلامي والرقابة التي تنتهجها بعض الأنظمة الإفريقية.

 

السماء الأفريقية مجال للتنافس

مع نهاية ثمانيات القرن الماضي تطورت وسائل الاتصال وبالتالي تأثر الإعلام نظرا للتطور الهائل الذي عرفه عالم الاتصال الفضائي مع توظيف الأقمار الصناعية التي تغطي قارة أفريقيا، وتم ذلك بالتزامن مع سقوط الأنظمة في الشرق وموجة من الديمقراطية عرفتها دول القارة.

ظهرت فضائيات لا حصر لها مع مجموعة من المبادرات العمومية والخصوصية في مجال الأخبار التلفزيونية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وقد حرصت كبريات وسائل الإعلام الغربية على توسيع شبكات البرامج، وخاصة الأخبار التلفزيونية، الموجهة لأفريقيا. كما وضعت هذه المؤسسات العديد من برامجها الوثائقية بين يدي المشاهد الإفريقي.

 

السماء الإفريقية مجال للتنافس

من اللافت أن التواصل بين الفاعلين الإعلاميين البريطانيين والأمريكيين في المجال التلفزيوني المهتمين بالمشاهد في إفريقيا الأنجلوفونية تبنوا التواصل عن طريق شركة جنوب أفريقية خاصة تعرف باسم مالتشويز Multichoice))، وقد أبرمت هذه الشركة عقودا إعلامية مع نيجيريا وغانا وغيرهما وهو ما سمح لمؤسسات إعلامية ضخمة مثل البي بي سي وسي أن أن وسكاي نيوز بالبث مجددا في السماء الإفريقي بواسطة هذه الشركة.

كما تطورت وتجددت المبادرات الإعلامية البرتغالية الموجة للدول الخمس الناطقة باللغة البرتغالية وذلك عن طريق RTP  أفريقيا التي بدأت نشاطها التلفزيوني سنة 1998.

 

بالنسبة للمجال الفرنكفوني فإن فرنسا قد أطلقت تي في 5 سنة 1991 آفريك ولها اهتمام خاص بالشأن الإفريقي، وظهرت فرنسا 24 في ديسمبر 2006. كما دشنت "كانال +" في أكتوبر 2014 قناة جديدة تسمى A +، ذات محتوى إفريقي.

وفي يناير من هذه السنة 2016 أطلقت المحطة الأوربية الموجودة بليون بفرنسا Euronews نسختها الإفريقية Africanews .

كما قصصت جرائد فرنسية عريقة مواقع من نشراتها لإفريقيا مثل le Figaro  وكذلك Le Monde.

 

لاعبون عرب في اتجاه المشاهد الإفريقي

مع بداية الألفية الحالية وجدت القنوات الغربية التي أصبحت جزءا من البيئة الإعلامية الإفريقية نفسها في مواجهة عدد من القنوات التي ظهرت في دول غير غربية والتي لها نفس الزخم والقوة في الوصول للمشاهد وبالتالي القدرة على التنافس مع الإعلام الغربي.

في أواخر سنة 2006 تم إطلاق قناة الجزيرة الإنجليزية ومن بين أهدافها تغطية أفضل لأخبار أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وقد تميزت الجزيرة بتدفق المعلومات والسعي نحو تغطية شاملة.

وللجزيرة مشروع قناة بالسواحيلية وأخرى بالفرنسية يفترض أن تريا النور في المستقبل.

 

الصين والدول الصاعدة: التناغم  بين الإعلام والتجارة

تزامن الاهتمام الصيني بالاستثمار في إفريقيا بسياسة إعلامية، فكان للتلفزيون الصيني المركزي CCTV دور أساسي فيه حيث عملت هذه المؤسسة لإعلامية في وئام وتناغم مع المشاريع الاستثمارية الصينية في أفريقيا جنوب الصحراء من خلال إنشاء عدد من القنوات الهادفة والموجهة لجمهور هذه القارة بعدة لغات من بينها الفرنسية والإنجليزية.

هذا الحضور التلفزيوني الصيني في القارة هو ما دفع بمدير إذاعة صوت أمريكا أن يقول "إن معركة كسب قلوب وعقول الأفارقة قد حمي وطيسها".

 تركيا: أصبح لوكالة Andalu التركية اهتمام بإفريقيا، وصارت لها قسم فرنسي وإنجليزي وعربي تهتم بأخبار القارة الإفريقية.

 

لماذا كل هذا الاهتمام بإفريقيا؟

إفريقيا قارة واعدة وفرصها متنوعة ومتعددة

من الناحية الديمغرافية فقارة إفريقيا ذات طابع "شبابي" فمن بين 850 مليون نسمة فإن نسبة 62% دون 24 سنة و15% دون 15 سنة.   (له جوانب إيجابية وأخرى سلبية)

في حدود 2030 ستكون نسبة التمدن في إفريقيا الأعلى عالميا، مما يعني ان إفريقيا ستكون سوقا عالمية بامتياز.

تمتلك إفريقيا 30% من الاحتياطي العالمي من المعادن (40% من احتياطي الذهب و60% من احتياطي الكوبالت و90 من احتياطي البلاتين عالميا)

كما تمتلك حدود 10% من احتياطي الطاقة عالميان و21% من احتياطي اليورانيوم (النيجر رابع منتج على مستوى العالم)

كما تمتلك ما يناهز 17% من الأراضي القابلة للزراعة عالميا.

 

الإعلام الإفريقي في المواجهة

لجنوب إفريقيا دور هام في تغطية المجال الإفريقي الأنجلوفوني حيث أنشأت في عام 2008 أول قناة إخبارية دولية (اس ايه بي سي نيوز انترناشيونال) ((SABC News International)) ، وبعد تعثرها في بناء جمهورها أغلقت في عام 2010، لتبدأ من جديد في عام 2013 تحت مسمى "أس أي بي سي الأخبار" التي تطمح إلى أن تكون "حامل لواء أخبار إفريقيا" بالإنجليزية ولغات جنوب افريقيا البرامج. وهي تواجه منافسة من سلسلة ومينز إي نيوز قناة أفريقيا.

وتجد هذه القناة القوية منافسة صعبة من eNews Channel Africa  التجارية التي بدأت بثها بالإنجليزية منذ 2008، وهي أكثر تخصصا، ولهذه القناة ارتباطات قوية مع سي ان بي سي الأمريكية.

 

الإعلام الإفريقي في المواجهة

في سنة 2004 أسس رجال الأعمال المالي إسماعيل سيدبي Africable، في باماكو، كما أسس الكامروني كونسان نمالConstant Nemale  أفريقيا 24 سنة 2008 ومقرها سان كلو بباريس، ويملك نمال 80% من المؤسسة والباقي بين غينيا الاستوائية والكاميرون وهي متاحة من منصات الأقمار الصناعية المختلفة، للمشاهدين في إفريقيا وفي الشتات الأفريقي في مختلف البلدان الأوروبية.

 

الانترنت والمتصفح الإفريقي

سمح ظهور شبكة الإنترنت واتساعها منذ 2000 للعديد من اللاعبين الغربيين وغيرهم لاستثمار الفضاء في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من خلال مواقع تضاعف جهود الوصول إلى الأفارقى من خلال وسائل الإعلام الجديدة.

وتبقى المنافسة غير متكافئة بين الفاعلين الأجانب والفاعلين المحليين، فلإذاعة فرنسا الدولية موقع له اثنتي عشرة واجهة بلغات إفريقية.

وبالنسبة لإفريقيا الناطقة باللغتين الانجليزية والبرتغالية منصات إعلامية على الشبكة، حتى إن بعض التقارير تتحدث عن أن شعبية التي تتمتع بها المواقع البرتغالية الإخبارية موزامبيق أو تلك التي تحظى بها مواقع من بي بي سي أون لاين والغارديان في زامبيا وفي زيمبابوي تؤكد أننا أمام "استمرار تدفق استعماري جديد".

 

وفي الوقت نفسه ظهرت في الشبكة مشاريع أفريقية ترغب في تقديم منظور جديد في مجال المعلومات مقارنة بما كان عليه قدمته وسائل الإعلام الغربية. وقد أسس الكيني سليم  أمين نجل المصور الشهير محمد أمين "مو" عام 2008A24Media  أول وكالة أفريقيا على شبكة الإنترنت للصور وأشرطة الفيديو.

وفي عام 1999 أسس السنغالي أمادو مختار با، مع طموح لتقديم allAfrica، تحت شعار "صوت من وعن وحول إفريقيا" وبمحتوى فرنسي وإنجليزي من أكثر من 130 وكالات الأنباء الأفريقية.

وقد تعددت هذه المبادرات وتنوعت في أكثر من بلد إفريقي.

 

الإعلام الإفريقي والتحديات المزمنة

يواجه قطاع الإعلام في إفريقيا تحديات من أبرزها:

الضغوط الاقتصادية والسياسية،

قلة رأس المال وضعف المقاولات الصحفية.

مستويات الكفاءة المنخفضة وعدم التقيد بالمهنية والأخلاق،

التغير السريع في المشهد التكنولوجي.

 

اقتراحات من أجل مستقبل إعلامي إفريقي عصري

إدماج البعد التكنولوجي في جهود المؤسسات الإعلامية الإفريقية من خلال تشجيع أعضائها على الانخراط في التعليم عن بعد

الانفتاح على المجتمع الرقمي الشبابي التفاعلي.

تأسيس منصات رقمية لنشر المحتوى المرئي القابل للمشاركة والتفاعل.

التعامل بإيجابية مع تغير وتطور عادات تلقي الأخبار بشكل دائم.

العمل على أن المواطن أصبح صحفيا، وعلى المنصات الإعلامية أن ترعي هذا التوجه الإعلامي الشبابي، وبالتالي ستكون تغطيات للأحداث مستجدة بأسلوب مختلف

إطلاق نقاشات حوارية بين الشباب الإفريقي.

السعي إلى غيجاد مشاهدة ومشاركة عالية.

الإعلام الإفريقي لا يملك في الواقع خيارا حيث لا بد من التكيف مع الانعطاف الذي عرفه الإعلام تحت وطأة التطور التكنولوجي مع الانتقال إلى التلفزيون الرقمي الأرضي TNT، وحلول الهاتف الذكي محل الشاشة.