اثبتت العملية الفدائية التي نفذها شابان فلسطينيان من منطقة الخليل، وادت الى مقتل اربعة اسرائيليين وجرح خمسة آخرون، ان المقاومة الفلسطينية ما زالت “فوق الرماد”، وان حالة الاسترخاء الامني الاسرائيلية التي سادت طوال السنوات الخمس الماضية بسبب الانشغال بما يطلق عليه “ثورات الربيع العربي” كانت مصطنعة، او بالاحرى مؤقتة، ففي الاصل كانت المقاومة، وستظل.
انتفاضة السكاكين بدأت تتحول الى مقاومة مسلحة، او هكذا نعتقد، وهذه نتيجة متوقعة، فعندما تمارس القوات الاسرائيلية الاعدام الميداني لكل من يحمل، ويشبه بحمله، من الشباب والفتيات، فإن هؤلاء سيلجأون الى السلاح طالما انهم سيستشهدون في نهاية المطاف بالرصاص الاسرائيلي الحي.
افيغدور ليبرمان وزير الدفاع الاسرائيلي الجديد وجه رسالة مليئة بالغطرسة والاستفزاز، والثقة “الزائفة” بالنفس الى الفلسطينيين، تحذرهم، وتقول لهم، “لا تختبروا قوة اسرائيل”، فجاءه الرد مفحما ومتحديا بعد اقل من يومين، فليبرمان فيما يبدو لا يعرف من هم الفلسطينييون، وجاء من يعرّفه به، ويحتفل بتوليه وزارة الدفاع بالطريقة التي يستحق.
من نفذا عملية تل ابيب لم يتخفيا بزي الحاخامات، مثلما اشيع في البداية، وانما كانا في قمة اناقتهما يرتديان بزات وربطات عنق من ماركات عالمية، وتصرفا بكل هدوء وثقة قبل ان يفتحا نيران بنادقهما على الاسرائيليين.
***
نعم البندقية حلت محل السكين، وهي بندقية غير مستوردة، وانما مصنعة محليا، تماما مثل صواريخ “القسام”، وهذا يجعل خطورتها مضاعفة عدة مرات، فأكثر ما يخشاه الاسرائيليون ان تنتقل تكنولوجيا التصنيع الحربي من قطاع غزة الى الضفة الغربية، ولعل تصنيع هذه البنادق في مدينة الخليل وجوارها هو البداية والاثبات.
207 من خيرة ابناء وبنات فلسطين استشهدوا برصاص الجنود الاسرائيليين بدم بارد في الاشهر الستة الماضية، وكان من بينهم الشاب عبد الفتاح الشريف الذي افرغ جندي اسرائيلي رصاص بندقيته في رأسه وهو مطروحا نازفا من اصابته على الارض، محاطا بعدة سيارات اسعاف، لم تقدم له اي اسعافات.
عندما يتصرف الاسرائيليون بهذه الطريقة الدموية الوحشية، ويوغلون في القتل وسفك دماء العزل، ماذا يتوقعون؟ ان يصفق لهم الشباب الفلسطيني اعجابا، ويقذفونهم بالورود والرياحين؟ هذا شعب تربى على الكرامة، وعزة النفس، والمقاومة، والتضحية، وهو قطعا لن يهزم.
الرئيس محمود عباس ارسل عسسه الى المدارس لتفتيش حقائب الفتيات والفتيان بحثا عن السكاكين، وتباهى امام الاسرائيليين انه صادر اكثر من تسعين سكينا، وانقذ بذلك ارواح العديد من الجنود الاسرائيليين، ونعم التفتيش ونعم التنسيق الامني وصاحبه!
بنيامين نتنياهو الذي فقد صوابه، والغى 83 الف تصريحا كانت حكومته اصدرتها للزوار الفلسطينيين الى ذويهم في الارض المحتلة عام 1948، او لزيارة المسجد الاقصى المبارك لاداء الصلاة في شهر رمضان المبارك، ودفع بآلاف الجنود الى الضفة، هذا النتنياهو المتغطرس اصيب في مقتل، وعاد الى عادته في فرض العقوبات الجماعية، ولكنها ومهما بلغت من الظلم والاضطهاد، لن تنجح في تركيع الشعب الفلسطيني، فهذا شعب لا يركع لغير خالقه جل وعلا.
ماذا يتوقعون من هذا الشعب الصابر الصامد العزيز النفس ان يفعل، بعد ان قتلوا كل آمال السلام والتعايش لديه، واهانوه امام الحواجز، وسلبوا ارضه ومياهه، واقتلعوا زيتونه، وهودوا قدسه، وقوضوا اساسات اقصاه، وقسموا حرمه الابراهيمي، ووطنوا اكثر من 800 الف مستوطن في الضفة الغربية وحدها؟
***
هذه الحروب الطائفية التي بذر بذورها الاسرائيليون وحلفاؤهم الامريكان، ومحافظوهم الجدد والقدامى لتمزيق المنطقة، وانهاك جيوشها، وتدمير دولها، ستصل حتما الى تل ابيب وحيفا ويافا وبئر السبع والقدس، فالمستوطن الاسرائيلي لن يكون محصنا من السنة لهبها، ولماذا يكون محصنا، وينعم بالامن والامان والاستقرار، بينما يحُرم غيره منها؟
عملية تل ابيب هذه لسيت خرقا واضحا وقويا لمنظومة الامن الاسرائيلي فقط، وانما ترجمة عملية للنسخة الاحدث، والاكثر تطورا، لانتفاضة السكاكين، واستنساخا لكل الانتفاضات السابقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية الحافل.
فليرفض نتنياهو المبادرة الفرنسية، وليقتل حل الدولتين، ويبني المستوطنات، فالنفس الفلسطيني طويل، بل طويل جدا، وعليه تحمل نتائج هذه السياسات المتغطرسة دفعة واحدة، او بالتقسيط المريح، والامر المؤكد الذي يجب ان يدركه جيدا، ان الشعب الفلسطيني المحب للسلام، وفي ظل هذا الظلم والاضطهاد ومصادرة الحقوق، لن ييأس، ولن يستسلم، ولن ينس، وربما لن يغفر ايضا.