كان يقول ﻷصدقائه إنه يشعر بحنق كبير على المناضلين في هذا العالم، ﻷنهم يذكرونه بكل الصفات التي كان عليه أن يتنازل عنها لكي يكون رجﻻ عصريا، كان يقول لهم أيضا إنه يكره أدب الشتات والمنافي ﻷنه يوقظ في نفسه رغبة جامحة في البكاء بحرقة..
كانوا يلقبونه ب"رجل الروتين القاتل"، فقد كان يقضي وقته بين شقته المعلقة على سطوح عمارة في حي شعبي بائس، هجرها أغلب سكانها خشية أن تنهار فوق رؤوسهم، وبين مكتبه الصغير المحشور في زاوية من مبنى الجريدة حيث يقضي جل نهاره وهو يكتب عموده اليومي الساخر، وبين المقهى الواقع على ناصية الشارع المؤدي إلى مقر الجريدة، الذي كان يقول إن طعم قهوته يذكره بالموت.
ذات صباح رحل الرجل العجوز أنتظروه طويﻻ لكنه لم يعد.، كل ما تركه هو قصاصة ورق طلب من صاحب المقهى أن يسلمها ﻷصدقائه، كتب عليها بخط جميل: "رأيي في المناضلين لم يتغير، لكني ذهبت إلى الجبهة ﻷقابل الموت هناك، بدل أن أنتظره في تلك الشقة المظلمة والباردة".
-----------
من صفحة الأستاذ البشير عبد الرزاق على الفيس بوك