بدأ بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل اليوم جولة افريقية وصفت بـ”التاريخية”، تشمل اربع دول تبدأ بأوغندا ثم كينيا ورواندا وتنتهي باثيوبيا، وتهدف الى تعزيز العلاقات والتعاون في مجالات الاقتصاد والامن والزراعة والمياة.
الزيارة تاريخية لان نتنياهو يحظى باستقبال غير مسبوق من قادة القارة الافريقية في ظل غياب عربي كامل، رغم ان هناك تسع دول عربية تتمتع بالعضوية في الاتحاد الافريقي، وستشكل هذه الجولة “فتحا” اسرائيليا للقارة السمراء التي ظلت مغلقة في وجه تل ابيب، تعاطفا ودعما مع القضية المركزية العربية.
نحن لا نبالغ في هذه الصحيفة “راي اليوم” عندما نصف هذه الزيارة بأنها “فتح” للقارة الافريقية، فزعماء عدة دول في شرقها (كينيا واثيوبيا، رواندا، جنوب السودان، زامبيا تنزانيا الى جانب اوغندا) سيهرولون الى العاصمة الاوغندية كمبالا للالتقاء برئيس الوزراء الاسرائيلي الزائر، والاستماع اليه والتنسيق في مجالات عدة.
نتنياهو يصطحب معه في هذه الزيارة 80 رجل اعمال يمثلون خمسين شركة اسرائيلية، من بينها شركات تصنيع حربي، علاوة على عدد كبير من الخبراء الامنيين والعسكريين، لم يتم الاعلان عنه، وسيلقي خطابا في مقر الاتحاد الافريقي في اديس ابابا، وسيحاول الحصول على صفة عضو مراقب فيه.
لا نعتقد ان زيارة نتنياهو للدول الاربع هذه، اي كينيا واوغندا وروندا واثيوبيا، جاء بمحض الصدفة، وانما مدروسة بعناية فائقة، وتنطوي على معان سياسية استراتيجية مهمة، فهذه الدول الى جانب دولة جنوب السودان تشكل منابع نهر النيل الاساسية، شريان الحياة الرئيسي لكل من مصر والسودان، اي ان نتنياهو يريد السيطرة على هذه المنابع بطريقة اخرى، وحصار البلدين، وتهديدهما اقتصاديا وامنيا وعسكريا.
السودان مشغول في حرب تحرير اليمن، ومصر في الحرب في سيناء، واغراق الحدود مع قطاع غزة بالمياه تشديدا للحصار، واجراءات التنازل عن جزيرتي “تيران” و”صنافير” للجار السعودي، مقابل ملياري دولار سنويا على مدى ثلاثين عاما، والسيد احمد ابو الغيط تسلم منصبه امينا عاما للجامعة العربية.
عندما كان العرب عربا تقودهم مصر العروبة، وبوصلتهم تؤشر الى محاربة المشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة، لم يجرؤ مسؤول اسرائيلي واحد على زيارة القارة السمراء او حتى التوقف فيها، ولكن الآن تغير الحال، واصبحت القارة الافريقية مفتوحة على مصراعيها امام نتنياهو وكل المسؤولين الاسرائيليين، ومغلقة بالكامل امام العرب الذين يحظون بالكراهية والاحتقار.
لماذا نلوم القادة الافارقة؟ فالعلم الاسرائيلي يرفرف في اكثر من عاصمة عربية، ومسيرة التطبيع العلنية والسرية تسير على قدم وساق مع تل ابيب، وتنخرط فيها معظم دول المال العربي في منطقة الخليج.
الزمن الذي كان يسود فيه “الطغاة” العرب مثل جمال عبد الناصر، وصدام حسين، وحافظ الاسد، وهواري بومدين، ومعمر القذافي، وياسر عرفات كانت اسرائيل عدوا ارهابيا محتلا، تعيش عزلة في جميع المحافل الدولية، ولا يصوت معها في الامم المتحدة الا الولايات المتحدة وميكرونيزيا، الآن تغيرت الصورة، وبات بعض العرب هم الذين يصوتون لها، ويرشحونها لرئاسة لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة.
كانوا طغاة.. نعم، ولكن وطنيين وعربا اقحاح، وجاء مكانهم طغاة يفتقد معظمهم، او كلهم، الى الوطنية والعروبة والكرامة، ولهذا ليس غريبا ان يصول نتنياهو ويجول، ويفرش له السجاد الاحمر في العواصم الافريقية، ويحظى باستقبال الابطال والفاتحين.
نترحم على هواري يومدين، ومعمر القذافي وياسر عرفات، وقبلهم جمال عبد الناصر الذين ادركوا اهمية القارة الافريقية باعتبارها العمق الاستراتيجي للعرب، والداعم الرئيسي لهم وقضاياهم، وفي ظل غياب هؤلاء، وانعدام الرؤية الوطنية الاستراتيجية لمعظم القادة العرب الحاليين، ان لم يكن كلهم، فلا غرابة ان يصول نتنياهو ويجول: “لقد خلا لك الجو فبيضي واصفري”!
“راي اليوم”