تمر العلاقات المصرية التركية بمرحلة من الشد والجذب هذه الايام، بسبب التصريحات المتضاربة التي تصدر عن المسؤولين في الجانبين، والتركي خاصة، فبعد موجة التفاؤل التي سادت بقرب تطبيع العلاقات، وانهاء حالة القطيعة المستمرة طوال السنوات الثلاث الماضية، اثر التصريحات التي ادلى بها السيد بن علي يلدريم، رئيس الوزراء الجديد، حول رغبة بلاده في تطوير العلاقات الاقتصادية مع مصر، وتبادل الزيارات بين رجال الاعمال والسياسيين، تبدد هذا التفاؤل بسرعة بعد تصريحات للرئيس رجب طيب اردوغان شكك فيها في شرعية الحكم المصري الحالي، ورد فعل غاضب عليها من قبل المتحدث باسم الخارجية المصرية.
الرئيس اردوغان الذي طبع علاقاته مع اسرائيل على الصعد الامنية والاقتصادية والعسكرية، ومع روسيا بعد اعتذار مكتوب لقيادتها عن حادث اسقاط الطائرة الروسية قرب الحدود السورية، نسف البادرة الايجابية التي تقدم بها رئيس وزرائه الجديد تجاه مصر عندما قال، اي اردوغان، “ليس لبلاده مشكلة مع الشعب المصري، ولكن المشكلة مع قيادته التي اطاحت برئيس منتخب”، وارفقها بانتقاد شرس لاحكام الاعدام والسجن التي اصدرها القضاء المصري في حق الرئيس السابق وقيادات اخوانية.
الرد المصري على هذه التصريحات جاء سريعا، وعلى لسان السيد احمد ابو زيد، المتحدث باسم الخارجية المصرية الذي قال في بيان “مصر لديها تحفظات على التعامل مع القيادة التركية التي تصر على تبني سياسات متخبطة اقليميا، مذكرا الجانب التركي بضرورة الا يغيب عن ذهنه ان الشعب المصري هو الذي اختار قيادته في انتخابات حرة وديمقراطية.
في ظل حرب التصريحات هذه من الصعب حدوث انفراج وشيك في العلاقات بين البلدين، فالتنافر بينهما قديم ويعود بجذوره الى شقين احدهما ديني يقوم على التنافس على زعامة السنة في العالم الاسلامي بين مرجعيتي مؤسسة الازهر الآستانة، والآخر على الزعامة السياسية، وبلغ هذا التنافس ذروته عندما شن “السلطان” محمد علي باشا حربا على الخلافة العثمانية وارسل قواته “لاحتلال سورية” والتوسع في الجزيرة العربية واحتلال الدرعية عاصمة الدولة السعودية، والتقدم نحو اسطنبول مطلع القرن التاسع عشر، ولولا تدخل القوى الغربية لتمكن من اقتحام عاصمة الخلافة العثمانية.
الصراع بين القاهرة واسطنبول وصل ذروته في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي اعتبر “تركيا اتاتوركية” خطرا على مصر والعرب جميعا، وهو خطر تعاظم بعد تزعمها، اي تركيا، لحلف بغداد بدعم من بريطانيا، والدول الاستعمارية الغربية الاخرى.
وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي الى الحكم بعد اطاحته الرئيس محمد مرسي، وحكم الاخوان المسلمين قبل ثلاث سنوات اثار غضب الرئيس اردوغان الداعم الرئيس لهذا الحكم، وقد عبر عن هذا الغضب بتأسيس تحالف مع دولة قطر، وفتح ابواب اسطنبول لقيادات الاخوان لممارسة نشاطهم الاعلامي والسياسي ضد الحكم المصري وبكل حرية ودعم.
المصالحة بين تركيا ومصر لا يمكن ان تتم الا اذا وافقت تركيا على شروط الاخيرة بالحد من انشطة الاخوان المسلمين، وبإغلاق محطات تلفزيونية تابعة لهم وتبث من اسطنبول، وتطبيع العلاقة في الوقت نفسه بين مصر ودولة قطر، اللهم الا اذا قررت تركيا التخلي عن حليفها القطري، وهذا امر مستبعد في الوقت الراهن على الاقل.
السيد احمد مصطفى، وكيل لجنة القيم في البرلمان المصري، اشار الى هذه الشروط المصرية، بمطالبته تركيا “بالاعتذار عن الاهانات المتكررة من قبل قيادتها لمصر، وبعد ذلك تسليم المطلوبين من قيادات جماعة الاخوان المتهمين بارتكاب جرائم لعدالة المصرية”.
الامر المؤكد ان هناك رغبة تركية مصرية متبادلة لتطبيع العلاقات بين البلدين، وان هذا التراشق في التصريحات يؤشر باتجاهها وتأكيدها في الوقت نفسه، والمسألة تكمن في انتظار وساطة لبدء المفاوضات واللقاءات على مستويات منخفضة في البداية، وخلف الابواب المغلقة بعدها، تمهيدا لارتقائها الى مستويات عليا سياسيا واقتصاديا، وهناك ثلاث دول ربما تكون مرشحة للقيام بهذه الوساطة هي روسيا والسعودية واسرائيل.
السلطات التركية حسنّت علاقاتها مع دولة الامارات، بعد زيارة قام بها السيد جاويش اوغلو وزير خارجية تركيا الى ابو ظبي في نيسان (ابريل) الماضي، اسفرت عن كسر جليد العلاقات بين البلدين، وعودة السفير الامارتي الى انقرة بعد حرب تصريحات مماثلة بين البلدين، على ارضية عداء الامارات لحركة الاخوان المسلمين ودعم تركيا لها.
ومن غير المستبعد ان تعيد علاقاتها مع القاهرة في اطار سياستها الجديدة في الافتتاح على الجميع التي عبر عنها رئيس الوزراء الجديد السيد يلدريم، وترتكز الى مبدأ “زيادة الاصدقاء وتقليص الاعداء”.
دولة قطر تظل هي المؤشر الاساسي على هذا الصعيد، فهي التي طلبت من قيادات الاخوان المقيمين على ارضها التوجه الى حليفتها تركيا قبل عامين، عندما كان ابعادهم من اراضيها احد شروط عودة سفراء السعودية والامارات والبحرين الى عاصمتها في اطار المصالحة مع هذه الدول، ومن غير المستبعد ان تستعيدهم مرة اخرى اذا كانت هذه العودة شرطا لتحسين العلاقات المصرية التركية، ولا شيء مفاجيء، او مستبعد، في اليساسة واحكامها هذه الايام.
هناك انباء تؤكد ان قطر تستضيف حاليا على ارضها صلاح العاروي احد قادة حماس المبعد، الذي اعترف بالوقوف خلف عملية خطف شابين اسرائيليين وقتلهما، وهي العملية التي كانت المفجر للعدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة، حيث كانت مغادرته للاراضي التركية احد ابرز شروط تطبيع العلاقات بين تركيا واسرائيل، وهذه “السابقة” يمكن ان تتكرر اذا لزم الامر لتطبيع العلاقات التركية المصرية، من حيث استضافة بعض القيادات الاخوانية.
العاملان القطري والاخواني على درجة كبيرة من الاهمية في قياس برودة العلاقات المصرية التركية او سخونتها، ولهذا تستحقان المتابعة عن كثب هذه الايام لقياس احتمالات التطبيع سلبا او ايجابا.
“راي اليوم”