لقد أغفل أو تقاصر أو عجز دون أدنى شك أهلُ الصدارة في المعرفة وأصحاب الكراسي العالية عن تقديم مادة فكرية، سياسية، إعلامية، ثقافية، علمية عن القمة وأبعادها وحيثياتها وخلفيات ملفاتها، يهيئ للإحاطة الشاملة بمجرياتها ويضمن الوصول بها إلى الأهداف المرسومة بمخرجات تكون على قدر الحدث وتطلعات المشاركين فيه ومن خلال إعدادها كذلك قمةَ أمل في سياق إحاطتها بكل المواضيع والقضايا و جعل الرأي العام بكل طيفه ومستوياته على قدر فهم أهدافها ومقاصدها، وتقديرها حدثا استثنائيا، ورفع الاهتمام إلى أعلى، ومصاحبة فعاليته عمليا بالمشاركة البناءة لضمان أن يتكلل الجهد بالنجاح المطلوب.
وفيما بدت باهتة وشبه خائرة أمامية النخب في التبصير و التنوير و التوجيه، وضعيفة المشاركة التي كانت متوقعة منها، اشتعل على النقيض من ذلك حماس الشعب بكل فئاته وشرائحه فأظهرت جميعها اهتماما بالغا بانعقاد القمة على أديم بلاده؛ و حماس لا تخطئه العين وقد شمل:
· التثمين لكل الجهود والاستعدادات الجارية المبذولة على أرض الواقع لتوفير المناخ العملي الكفيل باستقبال الوفود المشاركة في الظروف اللائقة والضامن أمنها و حسن ضيافتها،
· والاستعداد للمشاركة بالمال والجهدين الميداني و الفكري حتى الوصول بهذه القمة إلى تحقيق النجاح المطلوب.
وهو الحماس الذي تجلى أيضا في رفض كل طرح يثبط الهمم ويناور بالرهان على فشلها مبررا موقف الشعب هذا بأمرين معتبرين أولهما:
· أن مبدأ القبول بتنظيمها في نواكشوط هو في حد ذاته دليل لا يقبل التشكيك و ثقة مطلقة حاصلة ومؤكدة لدى الدول العربية الشقيقة في قدرة موريتانيا على تنظيم القمة وإدارة مجرياتها و صياغة مخرجاتها النهائية،
· وثانيهما الاعتراف في شبه إجماع الدبلوماسيين العرب بنجاح الدور الموريتاني منذ أمد بعيد في تجسيد الحياد الإيجابي والاهتمام و القدرة على معالجة القضايا حيث ظلت موريتانيا مذ دخلت الجامعة في سبعينات القرن الماضي محل ثقة كل الدول التي يجمعها وإياها رابط وإطار العروبة وتربطها إلحاحية ضرورات و متطلبات المصلحة المشتركة في عصر التكتلات.
ولكن مهما اصطف الشعب بعفوية تمليها الوطنيةُ بعفويتها اللاشعورية والتي تحركها غريزة حب الوطن الدفينة في العقل والوجدان تحت دثار العواطف النبيلة الجياشة والحب الطاهر الغامر و الشعور العميق الفياض و الغيرة بكل نبل مقصدها عليه بعيدا عن الحسابات السياسية الغرضية والطموحات المحسوبة، فإن دور النخب لا يسقط وأن تقاعسها عن مواقعها الأمامية و تخليها عن أداء أدوارها، تحت أي حجة وبأي ذريعة ومبرر يظل واهيا، هو إضعاف للهم الوطني وتآمر عليه لصالح الخذلان والفشل، كما أنه في النهاية اعتراف بعدم الأهلية وقبول بسقوط الأحقية في توشح درع ووسام النخبوية في علوها وريادة أهلها.
ولا شك في أن تبرم النخب عن أدوارها أمر خطير ينعكس سلبا على أداء البلد ويقلل من حظوظ تحقيقه في إحراز أي التقدم، كما أنه يساهم في تقويض أي إصلاح يستهدف بناء المجتمع وصلابة عود الدولة. حقيقة لا بد أن تعيها نخبنا التي مازالت محجمة عن التخلي عن دثار عقلية الماضي التي تحمل من مسببات التثبيط والتقهقر ما سيظل معه البلد رغم إمكاناته وثرواته الكثيرة في تنوع لافت يحسدنا عليه غيرنا ولكنه يتعجب من أوضاعنا الضعيفة فتقتله الحيرة ويصيبه تناقض هذا الواقع بدوار الحيرة و التعجب أفي علم أو حلم. فإلى متى الاستفاقة من كابوس التناول وحمل مشل إنارة الدروب إلى طريق الحضور و العمل و البناء؟