تعرف موريتانيا بأنها بلد المليون شاعر، وهذه الصفة يرددها المثقفون العرب كلما طرح اسم هذا البلد العربى العريق المدهش، رغم أنها فى واقع الأمر لاتمس إلا جانبا واحدا من لوحة عربية زاخرة الألوان اسمها موريتانيا. والمؤسف أيضا أن العلم بموريتانيا لم يتعد المثقفين إلى العامة من المواطنين العرب، ولو سألتهم عما يعرفون عن موريتانيا لن تجد سوى أقل القليل.
بلقيس إحدى الإعلاميات المتطوعات للعمل باللجنة الإعلامية المكلفة بأعمال القمة اثلجت صدرونا قبل أن تبدأ الزيارة بمخاطباتها الخاصة بترتيبات الرحلة وتفاصيلها والتى جعلتنا نشعر بالرضا الكامل والاطمئنان بأن الموريتانيين يعملون بكل إخلاص وعزيمة وكرم من أجل نجاح قمة العرب. فقد بذلت بلقيس وأخواتها وإخوانها فى موريتانيا كل الجهود للتجهيز للقمة، وأظهروا معدن الشعب الموريتانى الذى التحم مع قيادته صفا واحدا وقهر تحدى التكليف بتنظيم قمة عربية فى أقل من 4 أشهر.
لمس جميع المشاركين فى القمة وكذلك نحن خصال ومعدن هذا الشعب العريق منذ اللحظة الأولى التى وطأت فيها أقدامنا مطار نواكشوط الدولى. لم يكن فى الإمكان تجاهل ذلك البريق الأخاذ فى عيون الموريتانيين الذين يستقبلون ضيوف القمة بترحاب وحفاوة ودفء عروبى ملحوظ. وكانت سيماهم وشخصياتهم تحمل سحر وجمال وغموض قرون من التراكم والتفاعل الحضارى العربى والإسلامى مع أفريقيا وأوروبا، وتعبر ببساطة وانسيابية عن هذا المزيج الإنسانى المتنوع والثرى، الذى يقف خلف الشخصية الموريتانية الساحرة. وربما يكون هذا هو السر فى عمق وجاذبية هذه الشخصية وثرائها.
مطار نواكشوط الدولى الذى استقبلنا افتتحه الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز منذ أسابيع قليلة فى إطار استعدادات نواكشوط لاستضافة قمة العرب التى جاءت إليها بلا موعد. . وفى هذا المطار نسينا مشقة السفر والساعات الطوال مع حرارة اللقاء.
الطريق من مطار نواكشوط الدولى إلى قلب العاصمة وكذلك الطرق المؤدية إلى مقر القمة تم تعبيدها وتزيينها خصيصا لاستقبال وفود القمة. فى الطريق من المطار إلى محل إقامتنا طلبنا من المرافقين إيقاف السيارة أكثر من مرة لتحية وتشجيع المتطوعين من الشباب والفتيات الموريتانيين الذين خرجوا لتنظيف وتزيين الشوارع ترحيبا بالقمة وضيوفها. فلم تكن القمة قمة القيادة أو الحكومة الموريتانية بل هى كما لمسنا كانت قمة الشعب كله، وقد شعرنا أنها قمة كل مواطن، وقد سادت فى موريتانيا حالة من التعبئة العامة والفرح والسرور باستضافة القمة، لدرجة أن البعض اعتبر القمة العربية ال 27 الحدث الأبرز فى موريتانيا بعد الاستقلال.
وكانت استضافة القمة محل إجماع الشعب الموريتانى بكل تنوعه وألوان طيفه، وقبل القمة وأثناءها وبعدها، توحدت المعارضة مع الحكومة لإظهار البلد فى صورة مشرفة.
تضافرت الجهود الرسمية والشعبية على أكثر من صعيد، ومن أجمل تلك المشاركات الشعبية ما تم تقديمه بالقرية الثقافية من امسيات وندوات شعرية وثقافية، وما تمثل فى أجنحتها المختلفة التى سلطت الضوء على ما تحفل به موريتانيا من تراث عريق ومخطوطات نادرة وآثار تاريخية، وجهود الدولة الموريتانية فى الحفاظ عليها، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على العادات والتقاليد الموريتانية والمساهمات التى تتم لدفع قطاع السينما والمحميات الطبيعية والنخيل والثروات الطبيعية.
بادر الصحفيون والإعلاميون الموريتانيون بجميع تكويناتهم إلى الاحتفاء بزملاء المهنة الذين قدموا إليهم من أنحاء العالم العربى فى ليلة لا تنسى على ضفاف المحيط الأطلسى. وكذلك استضاف المستشار الإعلامى للرئيس محمد إسحاق كنتى وهو كاتب صحفى زملاء المهنة فى ليلة عامرة بالمودة والفنون.
كل مواطن موريتانى التقيناه كان يعتبر القمة قمته وليس شأنا حكوميا بحتا، كانوا جميعا فخورين وسعداء بذلك ايما سعادة وفخر، محمد سالم موظف متقاعد يرى أن القمة جلبت أطيافا من الدول العربية للتعرف على بلده عن قرب، قال «أردنا أن نقول لهم جميعا عبر استضافتنا للقمة أن موريتانيا بلد عربى مسلم يحبهم فى الله، وأن الدم والرحم واحد بيننا، وان موريتانيا بلد آمن». أما كنوتة ربة منزل فتعرب عن استعادتها بالقمة والتجهيزات التى تمت لعقدها فى نواكشوط. وتقول «إن الرئيس الموريتانى لديه أفكار جيدة لبناء موريتانيا وتنميتها وانه بالقطع سيفعل المستحيل من اجل مبادرات للمصالحة العربية، ولوقف نزيف الدم فى فلسطين والعراق وسوريا وليبيا واليمن، فهم إخوتنا نتأثر من أجلهم ونريد مساعدتهم». اما الحاجة آمنة فتقول «عملنا كموريتانيين كل ما بوسعنا من اجل استقبال القمة، وكلنا أمل أن تكون فاتحة خير على شعوبنا، فنحن جسد واحد ويجب أن نكون يدا واحدة فى مواجهة التدخلات الخارجية التى لايجب أ ن نمنحها الفرصة للتلاعب بمصائرنا».
أما سيدى طالب أبوبكر وهو محام فأعرب عن أمله أن تكون قرارات القمة لصالح إحلال السلام والتنمية فى الدول العربية وتعزيز العمل العربى المشترك. فيما أعرب صلاح الدين عامر طالب الهندسة عن سعادته بالقمة التى يرى أنها تسلط الضوء على موريتانيا وشعبها اللذين عانوا من تعتيم إعلامى عربى ظالم بينما كانوا يعيشون كل قضايا العرب وهمومهم بكل مشاعرهم وأحاسيسهم، لكنه من ناحية أخرى لا يعلق آمالا كبيرة على القمة ونتائجها، فهو يرى أن مشكلات العرب وهمومهم أكبر من أن يتم علاجها فى قمة، وتحتاج إلى جهود كبيرة ، عبر حوار وطنى داخل كل دولة وعبر حوار عربى شامل.
المصدر + 28 نوفمبر