القدرة على الإستشراف محدودة وتتطلب أحيانا وسائل خارجة على المألوف، وإسهام الفرد الواحد، مهما كانت مواهبه يبقى محدود الأهمية، دون عمل جماعي جاد مجرد موضوعي، بعيدا عن الخوف والمجاملة.
ولعل الشورى سنة الله في خلقه أبد الدهر والأيام، ومن ضمن مظاهرها الحوار بين إثنين أو أكثر، وحتى بين المرء ونفسه في سياق المحاسبة الذاتية، تحت ضغط لوم الضمير أو خلفية أخرى من قيم الإنسان الغامضة الواسعة الفسيحة، والتي يصعب فهمها على البسطاء مهما تظاهروا بالقدرة على ذلك "وَمَا مِنَّآ إِلَّا لَهُۥ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ "
قال جبريل لما طلب منه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، تجاوز مقام ما، في السماء السابعة: "يا محمد، إن تجاوزت إخترقت وإن تجاوزت إحترقت، وقال الله في شأن العبد الصالح الغامض الذي لقيه موسى كليم الله تحقيقا ويقينا وخفي إسمه، قال في شأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله موسى لو صبر لعلمنا أكثر"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. أقول قال الله في هذا العبد، لما لقيه موسى في بداية الرحلة المعبرة هو وفتاه: "فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما " صدق الله العظيم.
وما تخلى نبي الله الخاتم المرسل عن الشورى في أحلك الأوقات، حتى في الحديبية حين إشتد الخلاف وإضطر للحسم لتجاوز عقد ومراحل معينة من المفاوضات، وكانت مشورته بينة مثبتة في التاريخ مثالا لقمة الشورى قبل انطلاق المعركة وغزوة بدر الفرقان.
وستبقى الشورى في حياة العقلاء والحوار في ساحة الرشداء طرا ، ما بقي في الناس عقل أو حكمة وتبصر وحذر مسؤول من الفتن والمخاطر المدلهمة، قال الله تعالى: "وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ"، وكانت كل الأحداث الكبرى في عهده صلى الله عليه وسلم مصداقا لهذا المفهوم الرباني الجليل الضروري بوجه خاص في حياة البشر.
أما "ماسيس" فيحاور على طريقته الضيقة، التي تبطن التمرير وتكرس التوجه الضيق المافيوي، وكأن موريتانيا أختزلت في شخص محمد ولد عبد العزيز ونزواته وخططه البهلوانية أحيانا، على منحى ربما "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ "، وأحيانا "إدهري" ولد محم، ربما انتقاما للإنقلاب على ابن عمه معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع حفظه الله، قائلا: "الرئيس سيكون من الأغلبية، وما أدريك ما الأغلبية؟ والنهج المستمر المتواصل الأبدي، حسب أحلامهم الصغيرة الطاغوتية المرضية، نهج عزيز ورؤيته في الحكم، إذن وفي كل صغيرة وكبيرة.
مما يعني أن الهدف القريب والمتوسط والبعيد تكريس الطابع العزيزي "الماسيسي"، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا ربما خلاف قوله تعالى: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "، مما يعني أن المخطط مستحيل، لأن المافيا المتغلبة طابعها الأغلب الأعم بعيد من الصلاح الظاهر على الأقل، والله أعلم بالمصير والباطن، وقيل حكمة مفحمة: "عليكم بالظواهر والله يتولى السرائر".
وفي مثل هذا السيناريو المنشود، خطط عزيز ومافياه لترك علامتهم على المرحلة والدولة، استهدافا للملكية المعنوية، وإلى الأبد دائما حسب أحلامهم ووهمهم الكبير المرضي "جنون العظمة".
لا أحسب أن المخطط سهل التنفيذ "لكلام سيل والفعل منكع"، أقول ليس سهل التنفيذ إلى الحد الذي يتصور بعض المغروروين داخل النظام أو خارج إطاره.
ذات مرة إتصلت على صهرنا محمد ولد عبد العزيز حفظه الله من شر نفسه وشر غروره، وشر عجبه ، وهو في طريقه لقاعة قصر المؤتمرات، للتوقيع الثاني على اتفاق دكار الهش الخادع، بعد التوقيع الأول في دكار، رد على الهاتف بهدوء ومكر، من المتصل، وذلك بعد أن قلت له محمد لست في موريتانيا وحدك، ورددت على سؤاله قائلا، عبد الفتاح ولد عبد الرحمن ولد اعبيدن، وبسرعة لأنني أتوقع أن يقطع الإتصال، وكان توقعي طبعا لله الحمد صادقا وبدقة وبحرفية متناهية، لكن المساج وصل، على منوال ما تقول مذيعة الجزيرة الشهيرة، الفكرة وصلت.
وعود على بدء، السفينة الوطنية في خطر، وإهتزاز وإرتجاج مفزع كبير، قد يفضي للتشظي أو على الأقل الخراب الكبير، في الشكل والجوهر، مما قد يؤدي لاحقا على المدى القريب أو المتوسط إلى تفكك هذه السفينة الهشة أصلا، بحكم التنوع العرقي والطبقي وكثرة المطامع الإقليمية والخارجية، نتيجة لجاذبية الموقع الجغرافي، تبعا لأبعاد أمنية وإقتصادية في غاية الأهمية، في حساب المعنيين العارفين والخبراء الدوليين النوعيين.
وكما قلت إشارة محدودة، دون تبيين وشرح، الدولة ذات مكونات ثلاث، إقليم وشعب وسلطة، والأولى عندي مصالح الإقليم والشعب قبل السلطة، وهي ربما بمثابة لون السيارة، يتبدل حسب الذوق والطقس والفرصة فحسب، ضمن دائرة الدول الهشة، مثل موريتانيا طبعا.
أما إن مثلنا الإقليم والشعب، في هيكل الدولة، بالماكينة في السيارة وما تقف عليه، فالفرق واضح من حيث الأهمية، لتبقى السلطة في مكونات الدولة الثلاث المذكورة آنفا، مقابل اللون في السيارة.
إذن، الشغل الشاغل مصلحة إقليم موريتانيا وشعبها، والسلطة فلتبقى أو تذهب إلى الجحيم، كما يقال في المثل دون قصد حرفي رغم إصرارنا على النصح بالإبتعاد عن تصفية الحسابات من أي لون، خصوصا بعد حصول الإنقلاب المرتقب الراجح اليقيني حسب تصوري الشخصي، أجل الإنقلاب على عزيز، لأنه أخطأ الحساب، حين حسب وأيقن غرورا، أن موريتانيا خالية من الرجال.
إنهم موجودون، وإن كانوا أحيانا أخفياء أقوياء، وقادرون على فتل الحبل في الرجلين واليدين، عند الإقتضاء، دون غلو في العقاب أو تساهل يسمح لا قدر الله بما يضر بالمتهور نفسه وبالجميع.
نرجو أن لا تهب ريح الإنقلابات، لأنها تصب في نفق مظلم لا يدرى أوله من آخره، وقد لا يرد بعض القدر، الذي لم يثبت بعد في اللوح المحفوظ، إلا صلة الرحم والدعاء، فليدعو الجاني عزيز لنفسه أو فلندعو له ولشعبنا، ولجميع المسلمين والمسلمات، وليطلب المعذرة من شعبه، وليتب بينه وبين خالقه الغفور الرحيم، توبة نصوحا عسى أن يرفع الله البلاء المرتقب "الإنقلاب الوشيك"، الذي أريته قبل أعوام، في رؤيا صادقة بإذن الله، أريتها في المكان الهادئ والوقت المناسب قريبا من الفجر، تضمنت هذه الرؤيا صفعة على وجه الحاكم المتغلب الحالي، من طرف عسكري من ذوي الرتب البسيطة، أرسله رجل تكاد تكون قامته طويلة "من أهل الشرق"، وبعد سيطرته على الحكم، كان في جو من التفاهم مع الجميع والحكمة والحنكة المثيرة، وشرع في انتقال قد لا يطول بإذن الله، ولا أحسبه إلا قريبا من محيط الرجل، الذي يثق فيه بشكل مطلق مثلما حدث مع معاوية وكثيرين مرارا وتكرارا ولله الأمر من قبل ومن بعد، وقد يكون هذا الإنقلاب استثناءا من حلقة مفرغة متكررة بين الإنقلاب والإنتقال، وهكذا دواليك دون خروج محدد الأفق والزمان، ولكن لكل قاعدة شذوذ، فنرجو أن يكون إن قدره الله الإنقلاب الأخير، وأرجو من الله أن لا يقع وذلك مرتبط بتعقل عزيز وتسامحه مع الجميع، ودخوله في حوار جديد أكثر جدية وشمولية ولا أحسبه لعناده يتوجه هذا التوجه المفقود المنشود.
إنكم يا أهل موريتانيا مبتلون بسبب كثرة الربا والزنى وزنى المحصنات بوجه خاص، وما سلط عليكم من مستبدين مثل عزيز أو غيره من قبل أو من بعد لا قدر الله، إلا بسبب تهاونكم بالدين الخاتم الإسلام "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ "، وقال جل شأنه في موضع آخر: " وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ".
ارجعوا إلى الله ،أوبة شاملة في الخلق والسلوك الجماعي، عبادة وإجتماعا وإقتصادا وسياسة، لعل الله أن يبعد عنا ويكشف عنا ما حل بنا من بلاء حاضر أو غيره من المتوقع المرتقب، في حساب المستشرفين المتأملين غير الغافلين.
وعموما لو عادت الدولة مرة أخرى بشكل مباشر في يد إنقلابيين جدد مهما كانت إيجابياتهم الخادعة التكتيكية، فقد ترتهن لوقت أطول في أيدي أصحاب "الخوذات"، إلى أجل غير معلوم لا قدر الله.
الخيار الأسلم والأضمن للإستقرار، مضمون إن شاء الله بالتخلي عن إضافة اللون الأحمر للعلم الوطني، واللون الأحمر عموما، حدثني أحد وجهاء "أهل الشرق" الصادقين أنه غير مرغوب عند غالبية السكان هناك، وأما تغيير النشيد، رغم رمزية أرجوزة بأرجوزة، إلا أن المرحلة الراهنة لا تستحق التمجيد بإختصار، وبصراحة أعني مرحلة عزيز في الحكم.
الإقليم الموريتاني والشعب الموريتاني مصالحه معتبرة، قبل مصالح السلطة المتغيرة اللون، مثل لون السيارة الرمزي بالمقارنة مع غيرها من المكونات الأساسية، فلنصبر لعزيز لو تغلب بتمرير مخططه الحالي، فإن الرجوع عن التغييرات "العلم والنشيد مثلا" ممكن دون اللعب بالنار، عبر مغالبته على شكلين على حساب جوهر مركزي مصيري، هو الإستقرار، ولو كان هشا، وبقاء البلد متماسك أولى وأرجح وأغلى، ولو كان تماسكا صوريا.
لا للإنقلابات لا للصدامات مع السلطة القائمة، مهما طغت، ولنحرص على الإستقرار وتغليب خياراته كلها، وإن تدنت ولنحرص على التغيير فقط، حين يكون مأمونا مدروسا، بعيدا عن الإنقلابات والإحتكاكات الدامية الممزقة بحق كما رأينا في تجارب غيرنا، من إخواننا العرب والأفارقة وغيرهم، من سكان هذا العالم المتفجر الصاخب الدامي، والسعيد من اتعظ بغيره، قال الملائكة: "قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها" .
سبحان الله ما أعظمك وما أحلمك وما أحكمك وما أرحمك وما أعلمك ،أنت الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية، آمنت بك ربا ، صاحب جميع صفات الكمال والجمال، السيد الصمد الذي يقصد عند الحاجات كلها، اللهم أهدي حاكمنا عزيز وأبعده عن السوء كله، ظاهرا وباطنا، وأبعده عنا إن علمت إضراره بنا وأنت الأحكم والأعلم بما خفي وتوارى عن علم سائر المخلوقات يا رب العرش العظيم ولا تفتنه بنا ولا تفتنا به، وأخرجنا من هذه الظلمة غير فاتنين ولا مفتونين.
رضيت بك ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالإسلام دينا، أجل السعيد من إتعظ بغيره، فالناظر إلى هذا العالم المتفجر الصاخب الدامي، يدفعه مجرد التأمل الصادق لمحاولة التوقي من فتنة تحل بموريتانيا، قد لا تبقي ولا تذر "لهروب ألا قبل الحوق"، والسعيد من إتعظ بغيره والتكرار هنا مقصود.
أتركوا الأرعن المغرور في الحكم ما شاء، سيخرج بمنهجكم السلمي المتئد المتوازن بإذن الله، يوما ما، لو دامت لغيرك ما وصلت إليك، يا عزيز أو "ماسيس" كما يسميه الأتراب، فترة المراهقة عند بوابة "سينما روصو".
ستخرج منها بخسائر أقل، إن سمعت النصح الصادق، مثل ما أكتب بوجه خاص، ولا أزكي نفسي أو أسفه غيري، وإلا خرجت منها "مطروشا"، وفقا للرؤياالصادقة، التي قصصت حرفيا لأنني أرتأيت بعد حساب أن أخرجها للملإ، لأن هذا وقت ذلك، أي وقت البوح الملائم اللازم، واللازم فهمها عند أهل الباطنه، وقليل ما هم، في زماننا هذا السطحي غالبا.
أيها الأشاوس الأبطال، لا تتعجلوا الضربة "العاقل بوغمزه والفاسد بودبزه"، مازالت المحاولة قيد الجريان والتواصل، في حيز قنوات متنوعة وفاعلة، أهمها الدعاء "ودعاء السحر بوجه خاص"، "قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ".
والأرجح أن يقبل النصح إن شاء الله، عافاه الله وعافانا جميعا والوطن من شره المتطاير، رغم خير طفيف بالمقارنة مع السلبيات الشاقة المؤلمة المزمنة أحيانا بحكم الطبع، والطبع أغلب، والتي قد يبقى أثرها أي سلبيات حكم عزيز، على الذهنية العامة للفرد والمجتمع والدولة، بصورة بعيدة الغور والإضرار الجماعي البالغ، للأسف البالغ.