انهيار مفاوضات السلام اليمنية بعد 99 يوما من عقدها في الكويت، بإشراف السيد اسماعيل ولد الشيخ المبعوث الاممي لم يكن مفاجئا، لان الطرفين المتفاوضين لم يشاركا فيها من اجل الوصول الى حل سلمي توافقي دائم ينهي الحرب، وانما كسب الوقت، ومحاولة تحقيق ما فشلا في الوصول اليه عسكريا عبر المفاوضات، حيث كانت المفاوضات عملية “تكاذب” مكشوفة، لا تعكس نوايا المتفاوضين الحقيقية.
المفاوضات كانت بين فريقين، الاول يسيطر على معظم الارض، خاصة في الشمال، والعاصمة صنعاء، وآخر يسيطر على الاجواء، ويملك المال، والسلاح، والدعمين السعودي والخليجي، وتواطؤ غربي، وعربي متلكيء غير جدي طابعه المجاملة، مجاملة السعودية، زعيمة التحالف العربي، وطمعا في اموالها.
السيد ولد الشيخ الذي اعلن رسميا عصر السبت انهيار المفاوضات، ولكن بكلمات دبلوماسية مهذبة، جرى اختيارها بعناية لاخفاء اعتراف عملي بالفشل، بدأ ممتقع الوجه، باذلا كل جهد ممكن للبقاء في وظيفته، والاستمرار في دوره كمبعوث دولي من خلال الحديث في مؤتمره الصحافي الموسع، وربما الاخير، عن “تعليق” المفاوضات، واحتمال العودة اليها بعد شهر في “مكان آخر”، مؤكدا انه لم يتقدم بطلب عقدها في الكويت، مما يوحي ان الكويت لم تعد ترحب بها، وانعقادها على ارضها مرة اخرى بعد ان طفح الكيل.
***
الانجاز الوحيد الذي حققته المفاوضات هو جمع المتورطين في الازمة اليمنية على طاولة واحدة، وهذا ليس انجازا على اي حال، لان هذه الاطراف التقت قبل ذلك في جنيف، وكانت نتائج اللقاء مماثلة، اي عدم تحقيق اي تقدم.
مفاوضات الكويت جاءت لان “عاصفة الحزم” وبعد 16 شهرا من انطلاقها فشلت في فرض الاستسلام على التحالف “الحوثي الصالحي”، واعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي الى قصره الجمهوري في صنعاء، واجبار التحالف المذكور على تسليم الاسلحة الثقيلة التي في حوزته، والانسحاب من المدن، واذا كانت طائرات (اف 16) التي تعتبر واحدة من الجيل الاحدث في الترسانة العسكرية الامريكية فشلت في تحقيق هذه الاهداف، فهل يعقل ان تحققها مفاوضات الكويت؟
الازمة اليمينة وبعد انهيار مفاوضات الكويت بدأت تعود الى المربع الاول، وباتت احتمالات اللجوء للتصعيد العسكري، خاصة من الجانب السعودي هي الاكثر ترجيحا، وعلينا ان نتوقع عودة العميد ركن احمد عسيري المتحدث باسم “عاصفة الحزم” مجددا، وبصفة يومية، الى الشاشات التلفزيونية السعودية والخليجية بعد غياب طويل.
السيد عبد الملك المخلافي رئيس الوفد اليمني المفاوض في الكويت، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، اكد في مقابلة له على قناة “سكاي نيوز عربية” “ان وفده قدم كل شيء في سبيل السلام، لكن الحل العسكري بات احد الخيارات المطروحة، حيث ان الانقلابين يرفضون السلام وبالتالي سيواجهون القوة حتى ينصاعوا له”.
التحالف “الحوثي الصالحي” استعد بشكل “عملي” لانهيار مفاوضات الكويت بإعلان تشكيل المجلس السياسي الاعلى مناصفة، وبرئاسة دورية، وتسمية اعضاء هذا المجلس بحضور الرئيس اليمني السابق علي عيد الله صالح، وامين عام تيار انصار الله الحوثي في صنعاء، وتصعيد اعمال القصف والتوغل في الحدود الجنوبية السعودية، (جيزان نجران وعسير)، واستئناف اطلاق الصواريخ البالستية.
العنصر الجديد والمهم الذي طرأ على المسرحين السياسي والعسكري للازمة اليمنية، هو التحول الكبير في الموقف الروسي، والانتقال من مرحلة “الامتناع″ عن التصويت في مجلس الامن بشأن القرارات حول اليمن، الى مرحلة الرفض واللجوء الى التعطيل، مثلما حدث يوم الاربعاء الماضي، عندما صوت المندوب الروسي فيتالي تشروكين ضد مشروع بيان يلزم الحوثيين وصالح بالتعاون مع المبعوث الدولي السيد ولد الشيخ، ومسودة الاتفاق الاممية للحل التي تنص على انسحاب التحالف “الحوثي الصالحي” من صنعاء وتعز والحديدة، تبدأ بعدها محادثات سياسية لتشكيل حكومة توافقية، تؤدي اليمين امام الرئيس هادي.
هذا الدخول الروسي على خط الازمة اليمنية يشكل انقلابا ينهي السيطرة الخليجية، على هذا الملف، ويثبت اتهام المبعوث الدولي ولد الشيخ بالانحياز الى طرف في الصراع، وهو الطرف السعودي الخليجي، وتبني وجهة نظره، وهذا ما يفسر رفض وفد صنعاء لهذا الحل، والتوقيع بالتالي على اي بيان ختامي لمفاوضات الكويت.
***
التحالف “الحوثي الصالحي” خرج “غير مهزوم” من معركة عض الاصابع في الازمة اليمنية مع الخصم السعودي، ونجح في امتصاص الصدمة الاولى في حرب “عاصفة الحزم”، واظهار هذا الخصم بالمعتدي الذي يقتل الاطفال، ويدمر البنى التحتية، وبدأ ينقل الحرب الى خاصرته الاضعف، اي حدوده الجنوبية، وضرب مدنه بالصواريخ البالستية او المورتر، واجباره على ترحيل ابنائها الى الشمال الآمن.
السلطات السعودية ارادت ان تكون جولة مفاوضات الكويت الغطاء الدبلوماسي لاتفاق سلام يشرعن استسلام التحالف “الحوثي الصالحي” لشروطها الاساسية، يتم التوقيع عليه في الرياض ومكة، ويتم تسويقه للشعب السعودي على انه انتصار كبير، ولكن “الدهاء” اليمني اقوى من ان يقبل بهذه الالتفافة المكشوفة.
ايام اليمن المقبلة ستكون صعبة حتما، ومعركة كسر العظم في صنعاء وجوارها، بدأت فعلا، ولكن ايام السلطات السعودية ستكون اكثر صعوبة، ودعوة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي السعودية قبل يومين للمواطنين السعوديين للتبرع لدعم الجيش السعودي الذي يحارب في الجنوب، تؤكد هذه الحقيقة، وتثبتها، لانها دعوة خطيرة جدا، وتوحي بالكثير.