
مذاق حلوٌ تصحبه لدغة مرارة خفيفة تزيد من روعة الطعم، هذا ما ستشعر به عند تناولك لكأس صغيرة من الشاي الأخضر الموريتاني، أو ما يسمى محليا “أتاي”، الذي يحتل مكانة كبيرة في قلوب الموريتانيين، حيث لا يخلو منزل موريتاني من آلة الشاي الأخضر المميزة، متربعة في صدر جلساتهم، ولا تخلو سيارة من سياراتهم إلا و”الماعين” المخصصة لصنع الشاي قد أخذت مكانها لرحلاتهم الصحراوية والبحرية، حيث لا تكتمل الجلسات الجميلة إلا به عند أبناء موريتانيا.
وربما لا يعتبر تجاوزا أن يعد الأتاي مشروبا وطنيا مغاربيا، لأن نطاق شربه وإعداده يغطي دول المغرب العربي الكبير وصولا إلى جنوب إسبانيا شمالاً وإلى معظم مناطق الساحل الأفريقي.
وفي موريتانيا يتميز الأتاي بكونه ثقافة منحصرة على الرجال سابقا، حيث تعود بداياته إلى أوائل القرن العشرين، وكان استعماله مقتصرا في البداية على فئة محدودة من التجار ووجوه المجتمع، ولم يكن موضع ترحيب أو قبول من بعض الفقهاء الذين وجدوا فيه نوعا من الترف غير المستحب مما أحدث جدالا استمر لعقود ونتج عنه ما يعرف بأدبيات الشاي، حيث ألف البعض نصوصا نثرية على شكل مقامات ونحوها، تتحدث عن آداب الشاي وأخلاقياته وطرق إعداده ومكوناته، من شاي وسكر ونعناع ومواعين، وما يجب أن يكون عليه سلوك الشخص الذي يعده وسلوك جلسائه تجاهه أو تجاه من ينضم إليهم مستضيفا أو متطفلا، أما الشعر فقد تشكل منه ديوان ضخم حول الشاي، يتغنى به وبفوائده حينا وينتقد الطفيليين المتنقلين بحثا عنه من بيت إلى بيت حينا آخر.
طريقة إعداده
يتعين على مُعدّ الشاي الذي يسمى محليا “القيام” إتقان فن الإمساك بالإبريق، وطريقة إدارة الكؤوس بين الجماعة من اليمين إلى اليسار، ويفضل الموريتانيون أن يكون المشرف على إعداد الشاي شخصا لبقا ومهذبا حلو الحديث، ومؤدبا عارفا بأدبيات صناعة الشاي أو “أتاي” وهي أن يقوم باختيار ثلث كأس صغير من الشاي يتم وضعه في براد صغير، يصب الماء الساخن عليه ويرج جيدا لتنقيته من الشوائب والمواد الحافظة، وبعد ذلك تصب هذه الخلاصة جانبا في كأس، وتسمى هذه المرحلة «تشليلة» بعدها يصب الماء الساخن مرة أخرى يوضع على نار هادئة في موقد غازي صغير أو موقد للفحم يسمى «فرنة»، ويترك لدرجة تقارب الغليان، ثم يبدأ في عملية صنع رغوة في كافة الفناجين الصغيرة، برفع “البراد” عاليا وصب الشاي داخل الكؤوس حتى تتم العملية، ثم إعادته للنار مرة أخرى لتسخينه فقط، بعدها يضاف النعناع والسكر، ليوزع حينها في الأكواب الصغيرة حتى المنتصف، ويقدم في صينية صغيرة تسمى «سرفاية»، وتسمى هذه العملية «الكأس الأول» ثم تعاد نفس العملية للكأس «الوسطاني» أي الثاني، ثم الثالث (التالي)، ومن المستحب لدي الموريتانيين لمن يتولى إعداد وتحضير الشاي أن يتذوقه قبل تقديمه للضيوف، حيث يصب قليلا منه في كأسه، ثم يرتشفه ليختبر نكهته ومذاقه، وتسمى هذه الحالة محليا (الروزة) بتفخيم الراء.
نصائح تناول الأتاي
احرص دائما على أن تستبقه بتناول وجبة أو طعام، ولا تقلق عندما تشاهد كأسك مليئا بالرغوة فذلك دليل على خبرة صانعه “القيام”، كما يجب ألا تشربه دفعة واحدة بل ارشفه على دفعات لتستمتع بكأسك إلى أقصى حد، وعند إعادتك للكأس يفضل أن تصاحبه بقولك “زين” أو “تييت”، ختاما احذر من الإكثار منه حتى لا تصاب بالصداع الذي لا يذهب إلا بشربه بالطريقة نفسها.
المصدر: مدونة ولاد البلد المصرية