مايسة سلامة الناجي
لا يمكن إنكار أن المرشحين الأمريكيين كانا في نظر عدد معتبر من المتابعين يمثلان وجهين فاسدين لأمريكا، هيلاري كلينتون التي تمثل الوجه الفاسد للنظام السياسي الأمريكي برشاويه بابتزازه للأنظمة الضعيفة وأخذه منها الدعم والمال مقابل التماطل في دعم ملفاتها في ردهات البيت الأبيض، وجه اللوبيات ورجال الكونكريس الذين يقتاتون ويتغذون على أزمات الدول وحروبها باسم إيجاد الحلول والدفاع عنها… بينما مثل ترامب فساد رجال الأعمال النيوليبراليين المتهربين من الضرائب المبخسين للطبقة العاملة الذين يحسبون كل شيء بالدولار حتى كرامة المهاجرين ومحاربة الإرهابيين، ليغلق الحدود في وجه مهاجري الخسارة لكنه سيحارب الإرهابيين للاستلاء على ثروات الأراضي كما صرح عن الحرب في العراق “أن بترول العراق كان من حق أمريكا لا إيران”. وكان لدى الأمريكان اختيارين: إما أن يختاروا سياسية فاسدة لكنها ستُبقي على بلد وطن بمواطنين لهم حق الترافع عن حقوقهم، وإما أن يختاروا رجل أعمال نرجسي سيحول البلد إلى شركة ضخمة والمواطنين إلى شغيلة مستعبدين.
ولا يمكن إخفاء الصدمة التي أصابتنا الليلة ونحن نتابع نتائج الانتخابات والتي أظهرت منذ بداياتها تقدم دونالد ترامب.. صدْمتنا أن يختار الأمريكان أن يتخلوا عن أمريكا الوطن والتعايش ويختاروا أن يكونوا عمالا قومجيين في أمريكا السوق.. صدْمتنا أن يفضلوا جعل أمريكا عظيمة من جديد بإعادة المجد للعسكر وغلبة الصين على أن يجعلوها عظيمة بضمان حقوق الأقليات السود واللاتينيين والعرب والمسلمين والنساء خاصة.. الأقليات التي أهان دونالد ترامب طيلة حملته، الأقليات التي طالما ابتزت بها أمريكا باقي البلدان!! يال المفارقة العجيبة! لنكتشف الوجه الحقيقي الخفي لتلك الأغلبية الأمريكية من بيض الأرياف والقرى.. ونفهم ألا مكان اليوم بعد فوز ترامب وصعود هذه الفئة العنصرية في أمريكا لشبابنا الذي لا زال ينتظر القرعة الأمريكية، ولا لكعب غزال ديبلوماسيتنا المغربية!
كثير من المغاربة يحاولون طمأنة أنفسهم بأن حزب الجمهوريين لطالما كان إلى جانب المغرب في معركته لإثبات مغربية صحرائه لدى مجلس الأمن، لكنها طمأنة كاذبة.. فلو تابعوا عن كثب السباق الرئاسي لفهموا أن دونالد ترامب لا يمثل حتى حزبه. نعم، فقد كان فوزه ثورة ديمقراطية على واشنطن بمؤسساتها على البيت الأبيض بلوبياته الذي روج ترامب خلال حملته لفساده وساعد على الترويج لكل تلك الوثائق التي نشرت وكيليكس تفضح تعامل هيلاري كلينتون مع “حلفاء أمريكا” عبر الرشاوي الضخمة، بل إن الدعم الذي قدم الملك محمد السادس مرارا لمؤسسة كلينتون كان من بين أقوى الأوراق التي لعبها ترامب ضد غريمته واصفا تلك “الصفقة” بالفساد والرشوة. كان التصويت له ثورة ديمقراطية ضد الإعلام الذي وقف ضده طيلة الحملة من قنوات إلى جرائد ومجلات أمريكية محركة من لوبيات غنية.. لنفهم أن ترامب ضد الإعلام ولوبياته ومحركيه.. فوزه ثورة على الحزبين الديمقراطي بل والحزب الجمهوري سواء، نعم، على حزبه، حين نرى عدد الجمهوريين الذين تخلوا عن دعمه خلال الحملة الانتخابية بسبب تصريحاته.. حتى جورج بوش الإبن رفض التصويت لصالحه.. وبالتالي فالتفاؤل بموقف الحزب الجمهوري من الصحراء هو كذب على النفس.. لا أحد يمكن أن يتنبأ بالطريقة التي سيتعامل بها ترامب مع ملف الصحراء رغم أقاويل بأنه وصف البوليزاريو بالعصابة أو شيء من هذا القبيل، يبقى التكهن والاتكال عليه ضحك على ذقن الشعب المغربي.
السؤال هو: هل كانت ديبلوماسيتنا المغربية تعول على فوز هيلاري، أم أنها استعدت لجميع الاحتمالات؟ فما شهدناه من مسيرات ضد بان كيمون في آخر لحظة، وصدمات المغرب من تقارير الخارجية الأمريكية، وارتباكه أمام قرارت مجلس الأمن، لطالما أوضح لنا الارتجالية التي تعمل بها مؤسسات نظامنا الذي عوض أن تكون لديه مؤسسات فكرية تنتج له الخطط الاستراتيجية لجميع الاحتمالات لمصلحة عامة مجمع عليها ل50 عاما القادمة، تجد كل فرد منه يفكر غير بعيد عن أرنبة أنفه ويعمل لما يراه هو صالح لمصالحه الشخصية ثم لمصلحة البلد، تجد الدبلوماسية الرسمية في منافسة مع الديبلوماسية الموازية بدل أن يتعاونا على تشكيل قوة ضغط موحدة، تجد كل موظف يتنافس ليتموقع ويتمركز ويثبت تأثيره بدل أن يتحدوا ليموقعوا ويمركزوا البلد ويقووا تأثيره!
أمريكا اليوم لن تقبل شبابنا، ولن تقبل ديبلوماسيتنا.. أيها الشباب المغربي، انسوا شيئا اسمه القرعة الأمريكية. شمروا على السواعد ولنلتف مع بعضنا ونناضل جميعا ضد الرشوة والزبونية والمارشيات المشرية لكي تجدوا لكم مكانا في بلدكم ولكي نصنع المروكن دريم! أيها النظام المغربي، انتهى زمن ديبلوماسية اللوز وكعب غزال وأجي أهيلاري نكمّدوك فمرزوكة… شمر على السواعد لكي تجد الثروة وتفرقها بالعدالة الاجتماعية وترفع منسوب الوطنية لهذا الشعب المسكين الصابر، فهو اليوم سلاح الوحدة الترابية وضامن الاستقرار بعد الله عز وجل.
رب ضرة نافعة.. لعلها فاتحة خير لكي يعود النظام إلى الشعب بدل أن يبذل النفس والنفيس لإغناء أعضاء الكونكريس وإرضاء الغرب! تصبحون على سيادة مغربية لا نهتم معها بمن يترأس البيت الأبيض.