يُكثر الرئيس السوري بشار الأسد من مقابلاته ولقاءاته مع وسائل الاعلام الغربية التي يقف مندوبوها في طوابير امام قصره، ويجدون في معظمهم ردودا إيجابية، وربما يعود هذا “الكرم الصحافي” الى استراتيجية إعلامية ذكية مفادها الرغبة في الاعتماد على الاعلام الأجنبي لإيصال صوته، أي الرئيس الأسد، الى العالم وشرح سياساته، وكسر الحصار الذي تفرضه عليه دول عربية وغربية، وحظرها لوسائل اعلامه، وتسليمه في الوقت نفسه بمحدودية هذه الوسائل انتشارا وتأثيرا حتى قبل بدء الازمة لأسباب معروفة ليس هنا مجال تكرارها.
في آخر مقابلاته مع التلفزيون الرسمي البرتغالي ركز الرئيس السوري على فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية، وحاول توجيه رسالة مبكرة له تقول “انه سيكون حليفا طبيعيا لسورية اذا حاربت دولته الارهاب”.
ولكنه ترك خطا للرجعة، وهو محق في ذلك، بسبب تقلبات مواقف الرئيس المنتخب، عندما شكك في حفاظه على وعده الذي أطلقه اثناء حملته الانتخابية بمحاربة الإرهاب، والتعاون مع “صديقه” الرئيس فلاديمير بوتين في هذا الميدان.
الرئيس الأمريكي الجديد معروف بتقلباته، وصعوبة التنبؤ بمواقفه، وقدراته على التراجع، ومن المؤكد ان هذه الصفات ربما تتحول الى سياسات معتمدة بعد دخوله البيت الأبيض واستلام مقاليد السلطة بعد شهرين، حيث جيش المستشارين، وممثلي الدولة “العميقة”، او المؤسسة التي تحكم من خلف ستار.
***
نحن نؤمن بنظرية الحكم على الظواهر، لان الله هو الوحيد الاعلم بالبواطن، وما سمعناه من ترامب حتى الآن هو “تخطيء” معظم سياسات سلفيه جورج بوش وباراك أوباما خاصة في منطقة الشرق الأوسط، فقد عارض الحرب على العراق، والتدخل العسكري في سورية وليبيا، وقال في حديث لصحيفة “نيويورك تايمز″ بعد فوزه “ان تنظيم “الدولة الإسلامية” يشكل خطرا علينا اكثر من الخطر الذي يشكله بشار الاسد”، وما اثلج صدر الرئيس الأسد اكثر قوله في حديث آخر لصحيفة “وول ستريت جورنال” “استهداف الأسد، او دعم المعارضة السورية عسكريا قد ينتهي بمواجهة مع روسيا، وهذا ما لا نريده” وتساءل “من هي هذه المعارضة المعتدلة التي ندعمها.. نحن لا نعرف من هم”.
الخبير الأمريكي في الشأن السوري البروفيسور جوشوا لانديز الذي تردد انه قريب من الرئيس المنتخب، ربما عزز قناعات ترامب هذه ضد المعارضة السورية عندما قال في مقابلة اكاديمية، نشرها موقع (Conflict Forum )، انه يكفي للنظر الى المناهج المدرسية التي تُعلمها جبهة “فتح الشام” او “النصرة” سابقا لتلاميذها في مدارس المناطق الواقعة تحت سيطرتها في سورية، و”تقدم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة كبطل اسطوري، والهجوم على مركزها التجاري العالمي كعمل عظيم”.
الفكرة السائدة في أوساط مستشاري الرئيس ترامب حاليا يمكن تلخيصها في عدة كلمات ابرزها “ان الرئيس أوباما ووزير خارجيته هيلاري كلينتون ارتكبا خطأ كبيرا باعتقادهما ان سقوط الرئيس الأسد ونظامه حتمي ووشيك، وبادرا الى تشكيل منظومة أصدقاء سورية، على غرار نظيرتها أصدقاء ليبيا، على اعتبار ان النتيجة ستكون واحدة”، مضافا الى ذلك ان هؤلاء يعتقدون، أي المستشارين، ان إدارة أوباما “اطالت امد الصراع في سورية لزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط عندما ادركت ان النظام السوري لن يسقط قريبا”.
مخاوف الرئيس الأسد النابعة من احتمال تخلي ترامب عن وعوده بمحاربة الإرهاب، ربما تبدو في مكانها، لان المؤشرات الأولوية حول فريق عمله في البيت الأبيض فور تسلمه السلطة سيكون في معظمه من “المحافظين الجدد” الذين خططوا للحرب في العراق، وقبلها في أفغانستان، حيث يتردد اسم جون بولتون، السفير الأمريكي الأسبق في الأمم المتحدة بقوة، وانا قابلته شخصيا، واصطدمت معه في احد برامج محطة “بي بي سي” (Dateline London) قبل حرب العراق بشهر تقريبا، وكان ينضح عداء وكراهية للعرب والمسلمين، ويتفاخر بصداقته مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويتوعد بتدمير العراق ورئيسه صدام حسين.
***
لا نريد استباق الاحداث، ونحن نحاول ان نقرأ ما بين السطور لكي نتعرف على سياسات الرئيس الأمريكي القادم في الشرق الأوسط، ولذلك نلتزم الحد الأعلى من الحذر، وهذا اضعف الايمان، فخيبات املنا في جميع الرؤساء الأمريكيين اكبر من ان تحصى، ونتهيأ للمزيد.
تظل نقطة لا بد من التوقف عندها، وهي اننا لا نعرف كيف سيكون شكل هذا “الإرهاب” الذي سيحاربه ترامب اذا وضعنا في اعتبارنا انه يحتاج الى ستة اشهر من تسلمه السلطة للبدء في تطبيق سياساته الأولية، ناهيك عن استراتيجياته.
بمعنى آخر، كيف سيكون حال “الدولة الاسلامية” في حينها، هل ستكون أخرجت من الموصل والرقة؟ وما هي وضعية منطقة حلب وادلب وريف دمشق؟ وأين ستكون حدود المنطقة العازلة التي تعمل تركيا على اقامتها؟
أسئلة كثيرة لا نملك، وربما غيرنا الكثير لا يملكون إجابة جاهزة عليها.