حظيت حملة توعية لمواجهة العنف ضد النساء في تونس باهتمام إعلامي وشعبي كبير، نظرا لاستخدام هذه الحملة صورا صادمة لنساء عاريات، يحملن آثار عنف على أجسادهن.
ونشر موقع "وري تونس" صورا اتسمت بالجرأة، حيث ظهرت نساء عاريات بآثار تعذيب وعنف، وقد اختارت الصفحة عنوان حملتها: "ما الأخطر، العنف أم العري؟"
كسر حاجز الصمت
وقادت الحملة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، بمشاركة ممثلات تونسيات، من بينهن الممثلة السينمائية، فاطمة بن سعيدان، والممثلة الشابة ريم البنا حملة "وري تونس"، التي أثارت جدلا واسعا لدى التونسيين.
وفي مداخلة للممثلة التونسية فاطمة بن سعيدان، التي شاركت في الحملة، أوضحت لـ RT أنها من أشد المعارضين لممارسة العنف سواء المسلط على المرأة أو الرجل، مستنكرة التقييم الأخلاقي لبعض التونسيين، الذين بادروا بالتبليغ عن صورة تلك المرأة المعنفة، التي استفزهم عريها بدلا من إبداء رفضهم لحجم العنف الذي وقع عليها من قبل زوجها".
وحول مشاركتها في الحملة، توضح الممثلة التونسية أن مشاركتها ليست خطوة مجانية، بل بسبب تبني الحملة من قبل جمعية عريقة كجمعية النساء الديمقراطيات، التي ناضلت ولا تزال تناضل عن مكاسب حقوق المرأة في تونس، على حد قولها.
ودعت صفحة الحملة التوعوية "وري تونس" التونسيات إلى الإبلاغ عن أي عنف يتعرضن له، وخاصة أن إحصاءات "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" تتحدث عن 81% من النساء لا يبلغن عن العنف الذي يمارس ضدهن.
وقود الحملة
وفي تصريح لرئيسة جمعية النساء الديمقراطيات في تونس منية بن جميع، أكدت أن فكرة حملة "وري تونس" المنددة بالعنف، والتي تبنتها الجمعية، انطلقت من صورة "صادمة" نشرها الفوتوغرافي تونسي كريم كمون لامرأة متزوجة، تحمل آثار عنف وتعذيب في كامل جسدها من قبل زوجها.
وهذه الصورة أثارت جدلا واسعا العام الماضي؛ ما دفع إدارة فيسبوك إلى حذفها نتيجة حجم التبليغات ضدها.
ولفتت منية بن جميع إلى أن الجمعية النسوية بمختلف مكاتبها المحلية في تونس العاصمة وبنزرت والقيروان وسوسة تستقبل يوميا عشرات النساء اللاتي وقعن ضحية العنف، و70 % منهن وقعن ضحية العنف الزوجي، والأخريات ضحية عنف جنسي في المجتمع.
عرض الأجساد
وفي حديث إلى RT، شدد الفوتوغرافي التونسي، كريم كمون، على أن الصور التي راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر فيها فنانات شبه عاريات عليهن آثار عنف هي صور ذات مضمون ورسالة وليس الهدف منها إبراز التعري وعرض رخيص للأجساد، بل هي تندرج ضمن حملة أطلقتها جمعية مناهضة للعنف ضد المرأة لإبراز العنف الذي يسلط على المرأة في تونس.
وأكد كمون أن الحملة ستتضمن مشاركات أخرى لأسماء فنية لدعم هذه الحملة لمواجهة العنف المسلط على النسوة بتونس.
من جانبها، قالت مديرة مراكز التوجيه والاستماع لنساء ضحايا العنف بجمعية النساء الديمقراطيات، في حديثها إلى RT إن الجمعية أطلقت حملتها الافتراضية إلى جانب حملاتها الأخرى لمواجهة "الرقابة"، مبينة أن العقلية التونسية هي عقلية ذكورية أبوية ترفض مشاهد العراء، ولا تستفزها آثار العنف على أجساد النساء خاصة في الأماكن الحساسة، التي يخجلن من الإفصاح عنها.
وأضافت محدثتنا أن الحملة تأتي في إطار مساندة مشروع قانون لمواجهة العنف ضد المرأة، وهو مطلب رئيس للجمعيات النسوية كافة في تونس منذ عشرات السنوات، وخصوصا فيما يتعلق بتعديل عدة فصول قانونية لا توظف لمصلحة المرأة التونسية.
تعنيف النساء: جدل متجدد
وبحسب آخر الإحصاءات، فإن 47.6 في المئة من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و64 عاما تعرضن ولو مرة في حياتهن للعنف. والعنف المادي والجسدي هو الأكثر شيوعا بنسبة 31.7%، يليه العنف المعنوي بنسبة 28.9%، ثم العنف الجنسي بنسبة 15.7%، وأخيرا العنف الاقتصادي بنسبة 7.1%. فيما تتعرض 53.5% من النساء لأحد أشكال العنف بجميع أنواعه الجنسي والنفسي والجسدي.
مظلة قانونية لنصرة المرأة
وفي ظل تزايد العنف المسلط ضد النساء في تونس، طرحت وزارة المرأة التونسية مشروع قانون جديد لمواجهة العنف ضد المرأة، يجرم العنف الواقع من أحد أصول الضحية أو أحد الزوجين أو أحد المفارقين أو أحد الخطيبين، والمعتدي الذي تكون له سلطة على الضحية أو استغل نفوذ وظيفة، وهو ما سيوفر حماية أفضل للمرأة في كل الأوساط التي توجد فيها.
وإضافة إلى إجراء تنقيح لعدد من فصول المجلة الجزائية (القانون الجزائي) وتعويضها بفصول جديدة، على غرار الفصل 226 الذي يعاقب بالسجن مدة عامين وغرامة مالية قدرها 5 آلاف دينار تونسي، (2500 دولار)، لمرتكب التحرش الجنسي، ويعاقب بالسجن مدة 5 أعوام كل من واقع أنثى برضاها دون 18 عاما.
ورغم ترسانة القوانين التي وضعت منذ الاستقلال لنيل المرأة التونسية جميع حقوقها وتعزيز مكانتها داخل المجتمع، فلا بد من الاعتراف بأن العنف المسلط ضد النساء هو أمر واقع، ويعدُّه بعضٌ وصمة عار على بلد يتلمس خطاه نحو ديمقراطية تنادي بالمساواة بين الجنسين.
سناء محيمدي