قدم الحراك العربى فرصة تاريخية لروسيا بالعودة للشرق الأوسط من بوابة دمشق وذلك نظراً لأهمية المنطقة لموسكو، وللاعتبارات التاريخية التى حكمت التحالفات السوفيتية بأنظمة المنطقة العربية زمن الحرب الباردة والتى كان أوثقها على الدوام علاقتها مع النظام السورى الذى حرص على الحفاظ على التواجد العسكرى الروسى لاحقا في طرطوس على ساحل المتوسط .
وما يحدث الآن من تمدد للدور الروسى في المنطقة العربية واستغلاله للحراك العربى يعيد لأذهاننا أزمة السويس في خمسينات القرن الماضى والتى استغلتها الولايات المتحدة الأمريكية وبسطت نفوذها في المنطقة على حساب النفوذ البريطانى المضمحل أنذاك، وذلك يفسر كيفية توظيف الدول العظمى لأحداث بعينها لصالح نفوذ طويل الأمد يخدم مصالحها . وكما أن الإمبراطوريات تستفيد من الأحداث وتستغلها لصالح أهدافها الامبراطورية الاستراتيجية كذلك هناك قادة أذكياء قادرين على قراءة الواقع والاستفادة من تلك الانعطافات التاريخية النادرة لمصلحتهم، وهنا مثال بشار الأسد الذى لولا قراءته الصحيحة للجغرافيا السياسية للمنطقة لما حافظ على بقائه لليوم رئيسا لسوريا ولسقط كما سقط نظرائه في الاقليم .
وهنا يجدر الاشارة الى أن اللحظات التاريخية التى تشهد ظهور امبراطوريات وهى لحظات غاية في الأهمية لدول بعينها؛ في نفس تلك اللحظات التاريخية الحرجة تولد دول وتفنى أخرى فاسرائيل مثلاً ولدت في لحظة كتلك عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها واستفادت الحركة الصهيونية من تلك اللحظة التاريخية واستثمرت الدم اليهودى المسفوح على يد الامبراطورية النازية في فرض وطن قومى لليهود على أجندة الحلفاء المنتصرين .
اليوم ومع نهاية الحراك الدموى العربى ووصول الربيع الامبراطورى الروسى للإقليم أجدر بنا كفلسطينيين قراءة الجغرافيا السياسية والتاريخية بشكل صحيح والاستفادة من هذه اللحظة التاريخية النادرة لترسيخ مكان طبيعى مستحق لدولة فلسطين، ولا أحد ينكر أن القيادة الفلسطينية قرأت المشهد بشكل صحيح وتحاول استثمار اللحظة بشكل جيد، لكن علينا أن نستعد وبشكل سريع وفورى لترتيب وضعنا الداخلى لما هو قادم، وعلينا أن نستفيد نحن الكل الوطنى الفلسطينى من علاقتنا التاريخية مع روسيا . وهنا تكمن أهمية الدعوة الروسية للفلسطينيين لمناقشة الانقسام والتى قيل أنها جولة للعصف الفكرى، ولعل من الضرورى أن نذهب لموسكو موحدين لوضع الخطوط العريضة للاستقلال الفلسطينى وإنهاء الصراع الفلسطينى الاسرائيلى، وإرساء قواعد العمل والعلاقات الفلسطينية الروسية لعقود قادمة ، وألا نذهب كفلسطينيين لنناقش أزمتنا الداخلية هناك وهو إشارة واضحة على عدم القدرة على استثمار هذه اللحظة التاريخية الهامة والخطيرة التى تمر بها المنطقة والعالم بأسره .
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية