هنا في المغرب ثلاثة رؤساء: واحد للحكومة واثنان لغرفتي مجلسي النواب والمستشارين (بنشماس بنكران، المالكي). هؤلاء يمكن وصفهم برؤساء بدون مرؤوسين، ينتظرون أن يتصل بهم أحد من محيط الملك ليتفضل عليهم بمقابلة، وبعدها يعلنون أنهم في حالة فرح وسعادة بمناصبهم، وأن الانفراج نزل عليهم من السماء...
أسهل شيء بعد فرز نتائج ما سمي "انتخابات 7 أكتوبر2016" هو أن يتم تعيين أحد الفائزين فيها في رئاسة الحكومة، أو في رئاسة البرلمان، وأصعب شيء هو أن يجد رئيس البرلمان نوابا يجتمعون تحت رئاسته، وأن يجد رًئيس الحكومة وزراء يرأسهم. ورئيس مجلس المستشارين ينتظر تكوين الحكومة ليجتمع مع المستشارين إلى أجل غير مسمى.
سيحل يوم 7 فبراير 2017، وهو يوم مضي أربعة شهور على 7 أكتوبر 2016، ليسترجع الناس ذاكرتهم ويطرحوا سؤال ما فائدة انتخابات صرفت عليها الخزينة العامة أكثر من خمسين مليار سنتيم؟ ألم يكن الهدف منها تجديد الحكومة والبرلمان ونتج عنها العكس، وهو حل البرلمان السابق وتجميد البرلمان الحالي؟
استمرت حكومة ما قبل 7 أكتوبر تحت اسم مستعار هو حكومة تسيير الأعمال، وأصبح بنكيران مستمرا في حكومة تسيير الأشغال، ولا يسير أي شغل؛ كما لم يصدر أي قانون عن البرلمان في تلك الفترة.
كل هذا وقع في السياسة المغربية بالداخل؛ في حين تكون طاقم لا نعرف أسماء كل الأشخاص الذين انخرطوا فيه، ويبلغ عدد أفراده حسب ما ذكرته بعض وسائل الإعلام أربع مائة من الرجال والنساء، يقومون برحلات صحبة الملك في إفريقيا، ليس من بينهم رئيس الحكومة ولا رئيسا البرلمان، ولا من يحسب مصاريف رحلتهم ويخضعها للمحاسبة العمومية!!
هل كان من الضروري لكي تنجز الرحلات المخزنية التي لم يسبق لها نظير في أفريقيا ألا يكون للمغرب رؤساء ممارسون فعليا بالحكومة والبرلمان؟
من الضروري عندما نحاول أن نفهم تجميد رئاسة الحكومة ورئاستي البرلمان أن نفهم ما واكبه في صفوف المتجولين في إفريقيا طيلة أربعة شهور، لأن ذلك التجًميد كان متوازيا مع الرحلات الإفريقية التي تم تبييضها بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي لإصلاح خطأ تاريخي تجلى في عملية الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية في أوج سنوات الرصاص (1984) بالمغرب.
بدل تقديم نقد ذاتي والاعتذار للشعب عن الانسحاب تم تمجيد الخطوة واعتبارها بمثابة عودة إلى الجنة، بينما هي مجرد محاولة إصلاح خطأ سياسي مضت عليه سنون طويلة (33سنة). وتم تسخير مجلس النواب لأهداف الرحلة الإفريقية وحدها بالسماح له بعقد جلسة واحدة، ثم الرجوع إلى الجمود إلى أجل مجهول بعد تعيين رئيسه الحبيب المالكي من أقلية حزبية لا تذكر...
تتميز الرحلة الإفريقية وتجميد رئاسة الحكومة والبرلمان بأمرين هامين هما:
أولا: الناطقون باسم المستولين على ثروات البلاد واكبوا الرحلة وتمتعوا بها وتحدوا نتائج الانتخابات. وصرح للصحافة مثلا عثمان بنجلون، أهم بنكي مغربي، بأن تجميد الحكومة والبرلمان لا أثر له على الرأسمالية المخزنية، والأمر نفسه روج له وشارك فيه مسير المكتب الشريف للفوسفات (التراب) وشارك فيه عزيز أخنوش، الذي يلعب دور المهدي المنتظر أن يعود من إفريقيا لتأليف الحكومة في مدة أربعة شهور. وقدم والي بنك المغرب كل مشاريعه وتبريراته في زمن تجميد البرلمان ورئاسة الحكومة، وتبين أن من يحكمون هم الأثرياء الممولون للمخزن.
ثانيا: التغييرات التي تمت في صفوف القيادات العسكرية بعزل بوشعيب عروب عن المفتشية العامة للجيش، وتعيين ضابطين آخرين من الجيل الجديد للقيام بمهمة المفتشية العامة ورئاسة المنطقة الجنوبية، واشتعال التهديدات العسكرية حول منطقة الكركرات بشمال موريتانيا، وهي منطقة وقع فيها خطأ عسكري تاريخي أصعب من الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية، والإصرار على تفكيك حزب الاستقلال وإبعاده من الحكومة لاحتمال أن تكون المفاوضات المقبلة حول الصحراء موضوعا لإحياء تراث هذا الحزب القديم حول خريطة المغرب القديمة التي تمتد إلى شنقيط وتومبكتو...
في فترات تاريخية عرف المغرب حكم "عبيد البخاري" وسيطرتهم على حكم بعض السلاطين (باحماد مع السلطان عبد العزيز العلوي مثلا)، وكانوا جزءا من السياسة الإفريقية للمخزن. كما عرفت مرحلة حكم فرنسا تكوين عسكر من السنغال ومستعمرات فرنسا الإفريقية وجلبهم لإخضاع مناطق الحماية الفرنسية بالمغرب، مثل مراكش وفاس وسوس... ذكرنا هذه السياسة تحسبا لما سيقع !!
جميل أن يفكر المخزن الحالي في إصلاح أخطائه التي ارتكبت في الماضي، لكن عليه أن يصلح كل الأخطاء، بما في ذلك أخطاءه في الانتماء إلى الشرق الأوسط، والتلاعب بحقوق تأسيس الأحزاب، ونهب الفوسفات خاصة، وهو أول ثروة يملكها المغاربة، ونهب الثروات المعدنية واستعمالها في دبلوماسية الفشل التي أدت إلى تقوية أعداء الشعب.