تقدير العرب والمسلمين للميت وحرصهم على ذكر محاسنه .. كلها أمور ليست جديدة.. فقد أنتجت الأدبيات العربية مقولات تنفي عن تقدير الميت واحترامه تهمة التصنع و التقول.. فكانوا يقولون ردا على سؤال : لماذا لا تذكرون هذه المآثر والمحاسن في حياة الميت?
كانوا يقولون : (المعاصرة تمنع المناصرة) ...و (القرب حجاب)....
ووصل بهم حد تقدير موتاهم كما يقول الجاحظ أنهم كانوا إذا أرادوا لكتاب أن يشتهر ويشيع كانوا ينسبونه لمؤلف ميت.. رغم أن مؤلفه الحقيقي ما يزال على قيد الحياة.
ومن المعروف أن سبب انتشار ظاهرة الانتحال في الشعر العربي تعود لمسألة تقدير الموتى وإلباسهم لبوس الفضائل .. ولهذا انتحل الشعر لهم وعليهم.
إن تقدير الميت .. واحترام المقابر مسألة ثقافية تؤطرها أحيانا العقيدة والعادة .. فحتى عند الشعوب الوثنية تجد قدسية خاصة للموتى.. وهي القدسية التي اعتمدت عليها روايات الفانتازيا والأدب الغرائبي ..
ومن حكمة الله في خلقه أن رهبة الموت تطغى على العداوات بين البشر وقد حفظ لنا التاريخ كلمات خالدة نطق بها رجال في حق أعدائهم عندما يبلغهم موتهم .. حتى في التاريخ الأميري الموريتاني توجد شواهد كثيرة على ذلك.
وهذا جرير يرثي الفرزدق رغم ما كان بينهما من عداوة وخصام نثراها في نقائضهما.. لكن رهبة الموت انست جريرا كل خصام فنظم قصيدة عصماء في رثاء الفرزدق كان بيتها :
فَتَىً عَاشَ يَبْنِي المَجْدَ تِسْعِينَ حِجَّـهً ** وَكَانَ إلَى الخَيْرَاتِ وَالمَجْدِ يَرْتَقِـي
إن تقدير الميت قضية تناولتها الكتابات العربية القديمة والحديثة معتمدة في ذلك على عدة أبعاد ليس البعد الديني إلا واحدا منها ..