لا زالت الضجة المثارة عقب تصريحات للوزير التونسي، خلال مشاركته في ندوة "تونس أمل المتوسط" بالعاصمة الإيطالية روما، عندما قال: "عندما يطرح عليّ السؤال أين تقع تونس، فإنني أفضل أن أقول إنها تقع جنوب إيطاليا وليس بجانب الجزائر وليبيا. فالجزائر دولة اشتراكية شيوعية وليبيا بلد فيه فوضى".
ففيما التزمت السلطات الجزائرية الصمت حيال هذا الجدل المتزايد في تونس بشأن تصريحات الوزير المؤخر، فقد دعت رئيسة تحرير صحيفة "الفجر" الجزائرية حدة حزام، السلطات التونسية إلى إقالة المؤخر كأقل ما يمكن فعله إزاء هذه التصريحات.
وقالت حزام في مقال لها اليوم الأحد بصحيفة "الفجر": "لن أهتم لكون هذا الوزير تراجع عن تصريحاته. فلا يمكن لمترجم مهما كان مستواه متدنيا أن يقول وزير ما لم يقله، ولا يمكن التسامح مع تصريح أساء إلينا وإلى بلادنا. فالذي يخجل من أن بلاده تقع بجوارنا، فما عليه إلا الرحيل، لأننا لا يمكن أن نغير الجغرافيا"
وأضافت: "لا نقبل بأقل من إقالة صاحب هذا التصريح العدواني، الذي كان عليه أن ينفض النفايات المعششة بداخله، قبل أن يكون وزيرا لتسيير نفايات البيئة".
وتابعت: "إلى متى نبقى صامتين أمام إهانات تصدر دوريا من مسؤولين تونسيين؟".
واعتذرت حزام من الشعب التونسي، الذي وصفته بـ "المغلوب على أمره "والذي قالت بأنه "لا يمكن أن يكون تصريحا كهذا يصدر باسمه!".
وأشارت حزام إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الجزائر إلى هجوم من مسؤولين تونسيين، وقالت: "كلام المتأخر يذكرنا بكلام وزير الدفاع حرشاني الذي قال منذ سنتين إن الإرهاب دخل إلى تونس من الجزائر، وكأننا نحن من صنعنا أبو عياض أو الغنوشي؟! بل وذكرنا بكلام رئيسه السبسي الذي يقول في كتاب له صدر سنة 2008 تحت عنوان (الحبيب بورقيبة.. المهم والأهم) إن قسنطينة وعنابة إلى سكيكدة هي أراض تونسية"، على حد تعبيرها.
وفي تونس استنكرت حركة "النهضة" بشدة تصريحات الوزير رياض المؤخر حول الجزائر وليبيا، ووصفتها بأنها "تصريحات غير مسؤولة في حق العلاقات الاخوية المتينة بين تونس وجارتيها الشقيقتين".
وأكدت الحركة، في بيان لها أمس السبت، أن "عمق العلاقات بين تونس حكما وشعبا والشقيقتين ليبيا والجزائر أكبر من أن تهزها مثل هذه التصريحات المجانبة لحقائق الجغرافيا والتاريخ والمستقبل المشترك".
ودعت "النهضة"، وهي حزب مشارك في الحكم، الجميع إلى احترام ثوابت علاقات تونس بجارتيها الشقيقتين لارتباطها بأمن المنطقة وبالمصالح العليا لتونس.
من جانبه أدان "الاتحاد العام التونسي للشغل" تصريحات المؤخر، ووصفها بـ "غير المسؤولة"، وأكد أن "الإساءة الى الجزائر هي أضرار بمصالح تونس وإلى علاقتها الأخوية العريقة معها".
ودعا الاتحاد الحكومة التونسية إلى أن تلعب دورا رئيسيا في إخراج ليبيا من محنة الاحتراب والاقتتال بمبادرات فعّالة وحاسمة تتعاون مع الجزائر في الدفع إلى حلّ للأزمة اللّيبية.
كما دعا أيضا إلى اتّخاذ إجراءات كفيلة بتجاوز مثل هذه التصريحات، وإلى بناء استراتيجية ناجعة لتطوير العلاقة مع الشقيقتين الجزائر وليبيا.
من جانبه، أصدر حزب "نداء تونس"، الحزب الحاكم في تونس، بيانا أكد فيه متانة العلاقات التونسية ـ الجزائرية والعلاقات التونسية - الليبية واعتبرها "علاقات أخوة وشراكة استراتيجية تندرج ضمن رابطة الهوية المغاربية والعربية الإسلامية، ومتجذرة في سياق النضال المشترك في دحر المستعمر الغاشم، ومعمدة بدماء الشهداء على مر العصور، لا يمكن أن تمس من متانتها أي تصريحات كلامية عابرة مهما كان قائلها".
وأشار الحزب أن تونس متشبثة بـ "مشروع التكامل المغاربي وشراكتها مع أشقائها من أجل مواجهة تحديات المستقبل معا، وترى حركة نداء تونس أن الأفق المغاربي هو الأفق الطبيعي لمشروع تونس الحضاري والمحدد الأساسي لسياستها الخارجية".
وكتب رئيس الهيئة السياسية لـ "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" سمير بن عمر "عندما تطاول وزير الشؤون الدينية لحكومة الحبيب الصيد على دولة عربية شقيقة وقّعت إقالته فوراً! التأخر في إقالة الوزير المؤخر بعد إساءته لأكثر الدول أهمية بالنسبة للدبلوماسية التونسية يوجه رسالة سيئة لجارتينا الشقيقتين"، وفق تعبيره.
وكان الوزير التونسي رياض المؤخر قد أعلن على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" أن "ما تم نشره بشأن الشقيقة الجزائر والذي ورد في إطار الطابع الودي الذي ميّز أشغال الندوة، يأتي كتفاعل مع دعابة وردت على لسان وزير الخارجية الإيطالي الذي قال إنه من شرفة بيته يرى تونس".
وتابع المؤخر: "علقت على هذه الدعابة بتصريح مفاده عدم إلمام بعض الأمريكيين في فترة التسعينيات بالموقع الجغرافي لتونس، حيث أنه عندما كنت أقدم نفسي كوافد من تونس، يقولون إندونيسيا، وعندما أقول إن تونس تقع على الحدود مع الشقيقة ليبيا يعلقون بأن ليبيا بلد يعيش ديكتاتورية معمر القذافي وأما بالنسبة للشقيقة الجزائر يردفون أن الجزائر بلد شيوعي ويتساءلون: هل تونس يحكمها نظام شيوعي؟".
واعتبر المؤخر أن الترجمة الفورية لما قاله كانت سببا في إخراجه من سياقه، معبرا عن "استغرابه لتوظيف البعض لتصريحه ومحاولة الإساءة لمتانة العلاقة الأخوية بين تونس والجزائر الضاربة في التاريخ. وهو موقف ثابت لتونس حكومة وشعبا"، كما قال.
وكالة قدس برس