ربما تكون الحرب التي يشنها التحالف الامريكي ضد “الدولة الاسلامية” تحت عنوان محاربة الارهاب مشروعة في نظر الكثيرين، وخاصة من اعضاء هذا التحالف، والعرب تحديدا، لكن هذه الحرب في نظرنا مجرد ستار، او قنبلة دخان، للتمهيد، او اضفاء الشرعية على المقاومة، وحزب الله على وجه التحديد.
اذا كانت حرب امريكا في الكويت عام 1991 مصيدة جرى اعدادها باحكام، وبعد تخطيط مدروس، وتوزيع دقيق للادوار، بهدف جر الرئيس العراقي صدام حسين، تمهيدا لتدمير العراق، واجهاض نهضته العلمية والعسكرية، واعاقة دوره الاقليمي، لا نبالغ اذا قلنا ان الحرب السورية، جاءت للهدف نفسه، ليس لتدمير سورية وتفتيتها فحسب، وانما لتوريط “حزب الله” اللبناني، وتقليص شعبيته الطاغية التي اكتسبها ورسخها في قلوب عشرات، بل مئات الملايين من العرب، بعد انتصاره الكبير على اسرائيل، مرتين، الاولى عندما حرر الاراضي اللبنانية المحتلة بعد مقاومة شرسة، عام 2000، والمرة الثانية عندما قاتل بشراسة، وصمد صمودا اسطوريا، في مواجهة العدوان الاسرائيلي الذي اراد تدميره، واجتثاثه في تموز (يوليو) عام 2006.
***
معظم التحركات التي تقودها الولايات المتحدة ورئيسها الجديد دونالد ترامب في المنطقة حاليا، بما في ذلك زيارته، بعد خمسة ايام الى الرياض، ومناورات “الاسد المتأهب” في الاردن، تدور حول هدف اساسي وهو اعلان الحرب بأشكالها كافة، على “حزب الله”، لتجفيف موارده المالية، وتجريمه بالطريقة نفسها التي جرى من خلالها تجريم الرئيس العراقي صدام حسين، وقبل ذلك حركة المقاومة الفلسطينية في عهد منظمة التحرير وفصائلها، ثم في عهد حركتي “حماس″ و”الجهاد الاسلامي” وباقي الفصائل المقاتلة.
مشاكل ايران مع الغرب متشعبة، وطموحها النووي هو احد ابرز اوجهها، لكن هذا الطموح ممكن التعايش معه، بل احتوائه، بطرق عديدة، ولكن الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها ايران في نظر الغرب، هي دعمها لحزب الله اللبناني، وتحويله لذراع عسكري يشكل تهديدا وجوديا للدولة الاسرائيلية، في وقت استسلم العرب لها، وبدأوا يسقطون عنها صفة “العدو” ويقيمون جسور التعاون والتطبيع معها، واعتبارها حليفا استراتيجيا اقليميا.
“حزب الله” تجاوز كل الخطوط الامريكية والاسرائيلية الحمراء عندما امتلك قدرات عسكرية صاروخية هائلة (100 الف صاروخ)، وخبرات قتالية لا تملكها معظم جيوش المنطقة، بما في ذلك الجيش الاسرائيلي، لانها تتنوع بين الخبرات القتالية الكلاسيكية (الجيوش التقليدية)، وخبرات حرب العصابات، وقتاله في سورية لمدة اربع سنوات متواصلة بلورت وعززت هذه الخبرات، وطورتها وحدثتها.
الانباء التي تحدثت في اليومين الماضيين عن عقد اجتماع سري مغلق في واشنطن بمشاركة عدة دول خليجية وعربية، لبحث وضع استراتيجية حول كيفية مواجهة “حزب الله” في المرحلة المقبلة، من بين هذه الدول السعودية والاردن والكويت والبحرين وقطر والامارات، لم تفاجئنا، لان التحرك الحالي انطلاقا من قمم الرياض التي سيتزعمها الرئيس ترامب تأتي تتويجا لهذا التحرك.
المعلومات التي تسربت عن هذا الاجتماع تقول بأن الخطة العربية الدولية المشتركة لمواجهة “حزب الله” تشمل فرض عقوبات اقتصادية على اعضائه المؤيدين والمقربين في دول العالم، خاصة افريقيا واوروبا، التي تدعم الحزب ماليا، ومراقبة حركة التحويلات المالية، وتجفيف جميع منابع التمويل، بما يخلق لقيادة الحزب صعوبات على صعيد تمويل مؤسساته السياسية والعسكرية.
الحرب على الجماعات “الجهادية” المتشددة مثل “النصرة” و”الدولة الاسلامية” توشك على نهايتها، فالاولى، اي النصرة، باتت محاصرة في ادلب وريف دمشق، وبعض الجيوب في ريف حلب، واتفاق الآستانة الاخير اوكل مهمة تصفيتها الى ما يسمى بالفصائل المعتدلة المدعومة امريكيا وتركيا وسعوديا وقطريا، اما الثانية، اي “الدولة الاسلامية” فخسرت معظم الموصل، والحرب التي ستقودها قوات سورية الديمقراطية الكردية المدعومة امريكيا لـ”تحرير” الرقة باتت وشيكة، وستبدأ بمجرد اكتمال عمليات التسليح الامريكية بالدبابات والمدرعات والصواريخ الحديثة لهذه القوات.
بمعنى آخر، القضاء على هذه الفصائل “الاسلامية” المصنفة على قوائم الارهاب، سيفتح الباب على الحرب الاهم على “حزب الله” ليس في سورية فقط، وانما في لبنان ايضا، بدءا بالحرب الاقتصادية، وانتهاء بالهجوم العسكري، ولو عدنا الى الوراء قليلا، وبالتحديد الى ازمة الكويت عام 1990، نجد ان السيناريو نفسه جرى تطبيقه ضد العراق، اي الحصار، ومنع تصدير النفط، ثم الغزو العسكري والاحتلال.
***
هل سيحقق هذا السيناريو الذي يجري تطبيقه على مراحل ضد “حزب الله”، وبالتالي (ايران)، النجاح نفسه الذي حققه في العراق؟ ومن قبلها ضد التواجد الفلسطيني في لبنان (انتهى بغزو عام 1982)؟
من الصعب الاجابة على هذا السؤال الافتراضي بـ”نعم” او “لا” واضحة وصريحة، لكن ما يمكن قوله ان الظروف اختلفت، واسرائيل ايضا تغيرت، و”حزب الله” يشكل محور منظومة اقليمية ومذهبية، ويحظى بدعم واضح وصريح من قبل ايران، و”العراق” بدرجة اقل، واي حرب تخاض ضده لن تكون سهلة واذا كان هذا السيناريو حقق النجاح في العراق، فذلك بسبب التواطؤ والخيانة العربية، اولا، وانهيار الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، وتفرد امريكا بالعالم كقوة وحيدة مسيطرة.
كل ما يجري في المنطقة حاليا من حروب ومؤامرات من اجل امن واستقرار اسرائيل، والحفاظ على قوتها وتفوقها العسكري، تطبيقا لخطة وضعها “البرناردان” برنارد لويس، وبرنارد ليفي، وكبيرهم الذي علمهما السحر هنري كيسنجر.
لم يكن من قبيل الصدفة ان يبدأ تطبيق هذا المخطط في الذكرى المئوية لوعد بلفور، واتفاقات سايكس بيكو، فالعنوان الابرز للمئوية الثانية، هو تفتيت الدولة القطرية التي ولدت من رحم هذه الاتفاقات، وتكريس الوجود اليهودي الاسرائيلي في فلسطين والمنطقة لمئة عام اخرى.. والايام بيننا.