نُبِّئتُ- دون أن أتحقّق- أن قناة الجزيرة أصبحت تُطلِقُ على النظام الموريتاني النظامَ العسكري. أنا أعتبِر النظام الموريتاني نظاماً عسكرياً لعدّة أسباب (1-لا أعترِف بنتائج انتخابات 2009 ولا بانتِخابات 2014؛ 2-عودة المحاصصة والزبونية العسكرية كأساس للمحاصصة؛ 3-رئيس الدولة هو رئيس لأنه جنرال أولاً وربّما أخيراً. 4-في لحظات القلاقل كاستقالة الجنرال في 2009 وكرصاصة اطويلة 2012 وكما يبدو من سيناريو التوريث الحالي تظهر الهوية العسكرية للنظام؛ 5-زيادة الإنفاق العسكري والأجندة الأمنية؛ 6-تحوّل الجنرالات إلى زعماء سياسيين من العيار الثقيل). ثمّ إن المتابع لي يجد إنني لا أشير لرئيس الدولة الموريتانية إلاّ بالجنرال (أو- نادِراً جداً- "رئيس الدولة" وهي- في العرف الإعلامي الفرنسي صفة الرؤساء المتغلِّبين، لا الشرعيين).
لا يسعنا إلاّ تهنئة الجزيرة على ضبط المصطلحات. إلاّ أن الجزيرة، التي وفقّها الله لهذا الوصف الدقيق، لم تُطلِقه على النظام العسكري الموريتاني إلاّ غداة مقاطعة الأخير لقطر منذ أيام (مُشترىً على الأغلب من السعودية). وفي فترة الانقلاب العسكري، أيام لم يكن يُنكِر حتّى النظام نفسه أنه عسكري كنا ننقد على الجزيرة- العتيهة فيما عدا ذلك- ليونتها معه. وقد استُشرتُ آنذاك من قبل قياديين في "الجبهة الوطنية للدفاع عن الدِّيمقراطية" عن كيفية تقديم شكوى للجزيرة المركزية من خطاب الجزيرة الفرعية (وهي استشارة لستُ مفيداً فيها كثيراً). وقد بعثت الجزيرة حينَها ببعثة قيل إنها تحقيقية في الشكاوي التي تقدّمت بها معارضة الانقلاب. وقد كانت هذه البعثة أدائية ومظهرية أكثر مما كانت بحثية. وظلّت الجزيرة ليِّنة مع "النظام العسكري" في إطار تحالفات ما بين الجنرال عزيز وقطر. ولم يتغيّر التحالف إلا لاحقاً غداة الربيع العربي، وبالأخصِّ فيما بعد 2014 عندما نشرت وبثّت تقارير عن فسادِه وسوء تسييره.
ومن الواضِح أن قرب قطر من القصر الرئاسي كان غشاوة على عينيها في رؤية عسكرية النظام الموريتاني. فكما يقول المتصوِّفة إن "القُرب حِجاب". وربّما يأتي يوم يُقال فيه إن القرب تمدّنٌ والبعد تعسكّر. فسبحان من لانت بقدرتِه الشدائد، مغيِّر الاحول، ومُبدِّل الأعوان، ومُقلب الأكوان.
-----------------
من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك