يبدو أن بوصلة الإثارة لم تتوقف بعد، ولن تتوقف حتى إشعار آخر، الواقع السياسي الراهن للبلد لم يعد ذالك الواقع الذي لايتطلب أكثر من إعادة القراءة مرتين لمابين دفتي كتاب متداول يزاوج بين الديمقراطيين والعسكريين وبعض الوجهاء التقليدين.. لقد كسر الرئيس كل النظريات السياسية الأكثر شيوعا في العالم (العقد الاجتماعي) وترك الجميع في حيرة من أمره، انتفض على السلطة التشريعية "مجلس الشيوخ" التي أقسم على حمايتها وعدم التدخل في صلاحيتها، وهو القسم الشهير الذي أداه حماية للدستور الذي قام بفصل السلطات وألزم كل سلطة باحترام تخصصها..؛ صراع داخلي بين السلطة التنفيذية والتشريعية وآخر بين رجال القانون والدستور، حرب باردة داخل كتلة النظام، وأخيرا ظهور اتجاهين مختلفين أخلط ماتبقى من أوراق النخب "المكسرة الأنياب"، أحد تلك الاتجاهات يقوده رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز ويدعو إلى حماية الدستور ويرفض تمديد المأمورية وتعديل الدستور للغرض نفسه، وهو ما يلاقى هوى في نفوس مجلس الشيوخ الذي يرفض المساس بالدستور..؛ واتجاه آخر يقوده الوزير الأول يحي ولد حد أمين، ويدعو إلى "تغير الدستور" من أجل "مأمورية مفتوحة" أو "مأمورية مكملة" والتي ينص نفس الدستور على حظرها، الاتجاهين المختلفين تركا أثرا بالغا في الساحة السياسية التي لم تعد نخبتها تعرف إلى أي الاتجاهين نسير؟، في هذه الورقة سنعمل على استخراج سيناريوهين ربما ترسو على أحدهما سفينة النظام!
السيناريو الأول.. الحكومة!!
عملية الاستنفار التي صاحبت حملة الدستور وبالغت فيها الحكومة والحزب الحاكم واستغلت فيها موارد الدولة البشرية والمالية، لم تأتي من فراغ لقد شعر الرئيس بخطر الأزمة القائمة بين الحكومة والشيوخ، وبدأ يبحث عن مخرج ينقذ نفسه وصورته لدى الرأي العام الوطني والدولي، إجهاض التعديلات الدستورية من طرف البرلمان، ولاحقا إسقاط الميزانية المعدلة التي تضمنت الغلاف المالي لعملية الاستفتاء المثيرة للجدل، فرضت على الرئيس تغيير مسار المواجهة، والإمساك بزمام المبادرة، حراك الحكومة شرقا والحزب الحاكم جنوبا لم يطمئن الرئيس الماسك بزمام الأزمة والرافض لأي فشل في هذا الصدد حيث سبق وان قال " نحن لم نخلق للفشل"!
لكن أي مصير ينتظر الرئيس في حال قررت الجماهير الحاضرة لتلك المهرجات التصويت سرا بـ"لا" ضد التعديلات الدستورية.. هل يضطر لتوقيع أمر بتزوير النتائج أم يعلن استقالته، الحالتان لاشك أن الرئيس لا يريد أن يتوصل إليهما في الوقت بدل الضائع حيث لا يستبعد ان يقدم على التضحية بالوزير الأول مثل ما فعل بسلفه، وإعلان تشكيلة جديدة تربك الساحة السياسية وتعيد الحسابات، والراجح أن الشيوخ سيلتفون خلفها حتى ولو لم يكن هو راغبا في ذالك، وأن يقود لاحقا حملة التعديلات الدستورية بنفسه كما فعل في حملته الرئاسية، التى ستنطلق قريبا من ملعب "الترحيل"!
هذا السيناريو وإن كان البعض يستبعده نظرا للحرج الذي قد يشعر به عندما يربطه المحللون بسياسة الهروب والانكسار في وجه الخصم خوفا من هزيمة الشيوخ الذين لم يطلبوا في السابق أكثر من إقالة الحكومة وتغيير قادة الحزب الحاكم.
السيناريو الثاني.. ....!
في حال تجاوز الرئيس مثل هذه الحلول المؤلمة سياسيا فلا يستبعد أن يكون لجهات أخرى دورا في المرحلة القادمة خاصة إذا ما اجهض مشروع التعديلات الدستورية التي يهدف الرئيس من ورائها حسب بعض المراقبين إلى التحضير لآخرى أكثر جرحا وألما.. فأي الجهات ستملأ الفراغ؟؟
خاص- 28 نوفمبر