قام الجنرال توماس والدهاوزر قائد القوات الأميركية بأفريقيا (أفريكوم) برفقة السفير الأميركي في ليبيا بيتر بودي بزيارة القاهرة الثلاثاء، والتقيا الفريق محمود حجازي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية ورئيس اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي. وذكرت مصادر مصرية لـ"العرب" أن اللقاء تناول تبادل الرؤى حول الأوضاع في ليبيا والجهود الإقليمية والدولية لتسوية الأزمة الليبية عبر إجراءات عملية لإنهاء الانسداد السياسي، والبحث عن سبل للمصالحة في إطار الالتزام الكامل بالثوابت الوطنية والحفاظ على وحدة الأراضي الليبية.
وأكد حجازي حرص بلاده على دعم العملية السياسية من خلال الحوار الوطني الليبي، والتوصل إلى حلول توافقية للقضايا الجوهرية التي تؤثر على استقرار الأوضاع، واستكمال هياكل الدولة ومؤسساتها. وثمّن المسؤولان الأميركيان الدور المصري في إعادة الاستقرار في ليبيا، وأكدا توافق الرؤى مع القاهرة حول ضرورة الحوار الليبي لخلق مناخ سياسي يجمع مختلف الفصائل والقوى الفاعلة لتحقيق الأمن والاستقرار. وجاءت الزيارة عقب أيام من نجاح قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في تطهير مدينة بنغازي من العناصر المتطرفة، وهو ما ينبئ بتطورات هامة.
ورجحت مصادر سياسية على اتصال بالملف الليبي أن يكون الهدف من زيارة المسؤول العسكري الأميركي توسيع واشنطن لدورها في ليبيا، من خلال التنسيق مع القاهرة. وكشف تقرير استقصائي أعدته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية نقلا عن مسؤولين أميركيين إثنين قولهما إن الإدارة الأميركية الجديدة تعكف على إعداد سياسة دبلوماسية عسكرية جديدة للتعامل مع ليبيا سترى النور خلال الأسبوعين المقبلين. وأشار التقرير إلى أن المصادقة على هذه السياسة ستوسع بشكل مهم انخراط واشنطن في الملف الليبي وستدعم عملية المصالحة بين الفصائل المتنافسة في شرق وغرب ليبيا، فضلا عن إعادة افتتاح السفارة الأميركية وترسيخ جهد جديد لتبادل المعلومات الاستخبارية تقوده القوات الخاصة الأميركية وفقا للمسؤولين.
وقال السفير هاني خلاف، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، لـ"العرب" إن المشاورات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة تهدف إلى ضمان التأييد الدولي لتحركات "الجيش الوطني الليبي" في اتجاه المنطقة الغربية. وأوضح أن تلك التحركات يجب أن تكون معلومة لدى الجهات العسكرية الدولية الموجودة في ليبيا ومناطق جنوب البحر المتوسط، بما في ذلك حلف شمال الأطلسي "ناتو" وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا.
وأضاف أن مصر تحاول استطلاع ردود الفعل الدولية المحتملة بشأن إمكانية دعمها المباشر لتلك العمليات، والتأكيد أنها لا تقوم بذلك الأمر على المستوى الدولي فقط وإنما على المستوى العربي أيضا من خلال التنسيق مع القيادات العسكرية التونسية والجزائرية وربما السودانية.
وبحسب معلومات حصلت عليها "العرب"، فإن اللقاء تناول إمكانية فك الحظر بشكل جزئي على تسليح الجيش الليبي، وهو القرار الذي يتلاقى مع الرغبة الروسية في إعادة تأهيل الجيش الليبي الذي قامت موسكو بتسليحه إبان عهد العقيد الراحل معمر القذافي. واستدرك "إلا أن ذلك يتعارض مع الموقف الغربي من طبيعة التدخل الروسي في ليبيا مستقبلا، وبالتالي فإن إنجاز أي تطورات بشأنه يرجع إلى مدى التنسيق الأميركي الروسي بهذا الشأن".
وأشار خلاف إلى أن ضبابية الموقف الروسي وعدم وضوحه بشأن الأزمة الليبية الآن، تصعب من إيجاد حلول سياسية وعسكرية تشارك فيها موسكو مع البلدان الغربية. وأوضح أن تصاعد التنافس على استغلال موارد النفط الليبية يدفع إلى تعقيد الأمور بين الجانب الروسي من جهة، وبلدان مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا من جهة أخرى، وهي دول لديها شركات عاملة في مجال النفط، الأمر الذي يؤثر على مدى التوافق الغربي بشأن الأزمة الليبية.
وذهب متابعون إلى التأكيد أن التنسيق المصري الأميركي يرتبط بعدم مساس التحركات العسكرية الليبية بالفئات المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وعلى رأسها قوات عملية البنيان المرصوص التي كانت قادت عمليات تحرير سرت من تنظيم داعش وتتبع المجلس الرئاسي الليبي الذي يقوده فايز السراج.
ويرجح مراقبون أن يكون اللقاء الذي جمع حجازي بالمسؤولين الأميركيين بداية تغير الموقف الأميركي تجاه ليبيا بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أسابيع من توليه السلطة أنه "لا يرى دورا لبلاده في ليبيا". وأشار هؤلاء إلى أن هذا الموقف يتغير الآن بعد أن ثبت للبيت الأبيض أن التردد الأميركي يعني ترك مساحات أكبر لروسيا في ليبيا بما يهدد المصالح الحيوية الأميركية بالمنطقة، على ضوء الدعم الكبير الذي تلقاه حفتر من موسكو مؤخرا. وأشارت السفيرة منى عمر مساعدة وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية سابقا، لـ"العرب" إلى أن المشاورات المصرية-الأميركية تطرقت إلى مواجهة الإرهاب في غرب أفريقيا باعتباره أحد روافد انتشاره داخل العديد من البلدان الأخرى مثل مصر وليبيا والجزائر.