ضممتُ هذا الكتاب إلى مكتبتي قبل فترة في فضول معتاد لأعرف أكثر عن كاتبه الذي لم أكن أدري عنه غير النزر اليسير قبل إطِّلاعي على هذه المذكرات.
بدأت قراءته متأخرة لإنشغالي بكثير من المشاغل مع عدة دوائر حكومية تعطل معاملاتها البيروقراطية السخيفة أوراقاً تخص دراستي.
و حين أنهيته اليوم، كنت سعيدة أنني قرأت أخيراً بعضاً من ما ترك هذا الرجل.. التيجاني ولد عبد العزيز ولد أحمد المكي رحمه الله.
إنها واحدة من خطايا التاريخ، أن يُنسى رجلٌ مثله كأنْ لم يكن..إن المتلاعبين بالموروث النضالي للشعوب هم أبغض خلق الله..و قبل أن أنسى فإني أطالب كل معنيٍ بالأمر أن يسطر لنا مذكراته قبل أن يناديه العالم الآخر، و قبل أن تَطمسُ بروباغندا إعلامية دنيئة معالم أخرى من ماضينا، و تحرف الخبر عن مواضعه.
يحكي الرجل عن نضال بدأ في فترة لم يكن فيها بعض مدعي المعارضة و أصالتها اليوم قد تعلموا أبجديات الرفض، بل كانوا خارج الصورة السياسة تماماً.
عن جذوة الناصرية الأولى، عن التحولي المحوري إلى الحركة الإسلامية، عن بداية اليسار الموريتاني..عن مواقف طويلة لرجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من سجن و منهم من غيب في مصحات الجنون.
التيجاني رجل سجن عشرات المرات و دمرت مسيرته الدراسية داخل الوطن، و الأدهى و الأمر إختطافه يوماً واحداً بعد وفاة والده ليتعرض لتعذيبٍ نفسي و بدني كبيرين ثم بقرارٍ مخابراتي خبيث يُوقعُ مرسوم جنونه، وسط جفاء غير منتظر من رفاق الدرب و القضية.
إنه رجل عانى الطرد و محاولة القتل و الاعتقال و التعذيب و الحقن المخدرة و خرج من كل ذلك ليأسس واحدة من أنجح جرائد البلد رفقة مؤسسات أخرى، عاد فاعلاً إجتماعياً يعيش حياته تحدياً لكل من تآمر ضده فكان أقوى.
بغض النظر عن الطريقة التي سار بها طوال حياته، عن قراراته الصحيحة و الخاطئة، عن تأثيرات الأوساط من حوله، عن نزعاته الداخلية و عن طريقة تفكيره، أعجبت بهذا الرجل رغم عدم سابق معرفة، إن شخصاً ألقى بنفسه في معمعة السياسة -يوم كان النضال ماركة مسجلة بإسم شرفاء يدفعون دماءهم و أعمارهم و عقولهم حتى ثمناً لمواقفهم- فهو و الشجاعة على علاقة وطيدة.
كان مستعداً ليخسر كل شيء و فعله خسره، فقط لم يؤمن يوماً بقانون "نحن نندد".
إن رجلاً يخرج من فرضيات الجنون و مسبباته ليشق طريقه في عالم الصحافة و الأعمال بنجاح رغم كل المعوقات لهو مثال جميل للعصامية.
ثم إن فكرة كتابة مذكراته التي توثق فترة حساسة من التاريخ الموريتاني المعاصر،فكرة ندين لمن أشار إليه بها بكل الإمتنان.
بعد قراءة الكتاب، بدأت أفكر هل يوجد حقاً من بيننا مناضل حقيقي؟..بالنظر إلى الماضي ..لا..لا يوجد، على الأقل بالمواصفات الكلاسيكية المطلوبة.