لم يُفاجئنا التّقرير الإخباري الذي بثّته وكالة بلومبيرغ الأمريكيّة العالميّة التي كَشفت فيه أن المملكة العربية السعودية وحُلفاءها في التّحالف الرّباعي، كانوا يُخطّطون لهُجومٍ عسكريٍّ على دولة قطر لتغيير النّظام في الدّوحة، قبل أن يتدخّل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمَنعه، وإجرائه سلسلةً من الاتصالات الهاتفيّة مع الأطراف الأربعة في هذا الخُصوص، كما لم يُفاجئنا في الوقت نفسه، نَفي الرئيس ترامب لهذا التقرير، لأن التّحضيرات لهذا التدخّل كانت جديّةً فِعلاً، ونكاد نَجزم بأنّها ربّما تكون تأجّلت لبِضعة أيّامٍ أو أسابيع، وما زالت مَطروحةً على الطّاولة، أي طاولة الدول الأربع، بعد أن دَخلت مَرحلة التّصعيد والعَداء مع خَصمها القطري ألى نُقطة اللاعودة.
بعض الكُتّاب السعوديين سارعوا أمس واليوم إلى تأكيد نفي الرئيس الأمريكي ترامب، وقالوا أن دول التحالف لم تَضع خُططًا للتدخّل العَسكري في الأزمة، وأن استراتيجيّتها تتلخّص في عَزلها وإضعافها (أي دولة قطر) للتّراجع عن سياساتها، ووقف تدخّلاتها في شُؤون الآخرين.
الرئيس ترامب كان وما زال، في اعتقادنا، من المُؤيّدين للتدخّل العَسكري ضد قطر عندما أعطى الضوء الأخضر ووفّر “الغِطاء” في هذا الشأن بقوله في أحد خِطاباته في حزيران (يونيو) الماضي “أن قطر مُموّل على مَستوى عالٍ للإرهاب”، وإذا كان قد تدخّل لمَنعه، فذلك بسبب مُعارضة “الدولة العَميقة” لمِثل هذا التوجّه، وعبّر عنها صراحةً وزير خارجيته ريكس تيلرسون أكثر من مرّة، كان إحداها خلال زيارته للدوحة وتوقيعه اتفاقًا مع حُكومتها لمُواجهة الإرهاب ووقف دَعمه وتَمويله، ولخَوف هذهِ “الدّولة العميقة” من أن يُؤدّي مثل هذا التدخّل العَسكري إلى حربٍ إقليميّة ستَصب في مَصلحة إيران، علاوةً عن وجود قناعةٍ راسخةٍ بعَدم ضمان نتائجها.
أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد أكّد صراحةً أن الوساطة التي قام بها مَنعت حُدوث تدخّلٍ عَسكريٍّ في الأزمة الخليجيّة أثناء زيارته لواشنطن ولقائه بالرئيس ترامب، الأمر الذي عرّضه لانتقاداتٍ عديدةٍ من بعض وسائط إعلام التّحالف الرّباعي، وما قاله الشيخ صباح في هذا الصّدد يتّفق مع تقرير وكالة بلومبيرغ.
حُكومة قطر استشعرت احتمالات حُدوثِ التّدخل العَسكري أيضًا، وهذا ما يُفسّر تَفعيلها لمُعاهدة الدّفاع المُشترك مع تركيا، واستدعاء أكثر من عَشرة آلاف جُنديٍّ تركي إلى القاعدة التي أقامتها لهم في شريط العيديد قُرب الحُدود السعودية، بكامل عَتادهم الحَربي الثّقيل للدّفاع عنها إذا لَزِم الأمر، وأعادت علاقاتها كاملةً مع طهران، التي فَتحت لها أجواءها وموانئها لكَسر الحِصار الاقتصادي المَفروض عليها.
من تابع خِطاب الرئيس الأمريكي ترامب أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة يوم أمس، وما تضمّنه من اتهاماتٍ لإيران باعتبارها دولةً داعمةً للإرهاب وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتهديده بانسحاب بلاده من الاتفاق النووي معها، ممّا سيُؤدّي إلى عَودة العُقوبات، يَصل إلى قناعةٍ راسخةٍ بأنّه، أي الرئيس ترامب، بصدد تشكيل تحالفٍ عسكريٍّ وسياسيٍّ ضدها، أي إيران، تكون الدّول الأربع المُقاطِعة لقطر نواته.
المملكة العربية السعودية وحُلفاؤها جهّزوا أميرًا قطريًّا “بديلاً” هو الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، وبدأوا يتدخّلون عَمليًّا لخَلق مُعارضةٍ داخليّةٍ في قطر سواء بجَذب شُيوخ من الأسرة الحاكمة لصفّهم (سلطان بن سحيم آل ثاني)، أو بعض العناصر القبليّة، وخاصّةً من قبيلة آل مرة، التي تُعتبر الأضخم في دولة قطر، وفي الجزيرة العربيّة بشكلٍ أو بآخر.
احتمالات التدخّل العَسكري في قطر تتزايد ولا تتراجع في رأي هذه الصحيفة “رأي اليوم”، وربّما يُستخدم هذا التدخّل كطُعمٍ لجَر إيران، وربّما تركيا أيضًا، إلى حربٍ إقليميّةٍ، بالطّريقة نفسها التي جَرى من خلالها جَر العراق إلى حربٍ مُماثلةٍ بعد غَزو الكويت، وبمُباركةٍ أمريكيّةٍ أيضًا، ولكن ربّما تكون النّتائج مُختلفة.
الشّهران المُقبلان سَيكونان حاسمين على صَعيد الأزمة الخليجيّة، وتَوضيح العَديد من الأُمور الغامضة، وأبرزها مصير القمّة الخليجيّة السنويّة التي ستُعقد في الكويت في كانون الأول (ديسمبر) المُقبل، وهي القمّة التي ستُحدّد مَصير مجلس التّعاون الخليجي أيضًا.
“رأي اليوم”