سادت موجة من الهُزاء الكلبي غداة الإعلان عن تأخّر موريتانيا في التعليم عالمياً. وعلى ضربِ هذه المعلومة لأيديولوجيا الزوايا، التي هي الشجن المعياري للقومية الموريتانية، فإنّها ليست معلومة جديدة. فطالما ظنّ هؤلاء الزوايا (وكما قُلتُ للتو فلا أقصد بهم ترتيبة نَسَبيّة؛ وإنما تقاليداً ونفسانيات) أنّهم أعلَم من الآخرين؛ ولَكَم سخروا من الأخطاء النحوية والشِّعرية لغيرِهم، مُقتصِرين المعرفة على "علوم الأداة"، دون اللّبّْ والمنهج. لقد تكلّموا في كلّ شيء وصنعوا معرِفة من قشور النمّامين الفكريين من غير المتخصِّصين.
والأسوأ هو أولئك المتأفِّفون، الذين يمشون بأنوف الناقة، والذين يعتقِدون أنّهم- بفعل عبقريتِهم واصطفاء الله لهم وبركات أجدادِهم- قد نجوْا من سوء التعليم ببلدِهم، رغم أنّه قد أصاب كلّ أحدٍ غيرَهم. إنّهم يُركِّزون على الجهالات اللغوية والإملائية والخطابيّة للآخرين بينما هم غارقون في الأزمات المنهجيّة. وهم غير قادِرين على القيام بمجلِس متعلِّم (كثرة مقاطعاتِهم للمتكلِّم وزوغان عقولهم وسرعة تغييرِهم للمواضيع وجلافتهم في الامتاع والمؤانسة ونوشُهم لأذيال الأفكار وشكلِها دون أطروحاتِها وصميمها وسرعتثهم إلى التكميل والتصويب والتخطيئ).
إنّهم يعتقِدون أنّهم نجوا من بأس قلّة الموارد وانعدام المكتبات والتقاليد البحثية والسيطرة طويلة الأمد للجهلاء والجهالات اليومية التي تطبع نظام السوق ونظام الطرق ونظام التواصل. لقد نجوا بأفلاطونية من كلّ هذا، إلى النور.
إن نوعية الاستطالات المعرفيّة التي تقوم بهذا البلد تُذكِّرنا دوماً بالمزعم الفوكوي أن المعرفة، بما فيها زعم المعرفة، هي سياق للتنظيم والتحكُم والتراتُبية والفوقية. إن "المعرفة" ليست نقيض الجهل؛ بل هي- غالباً تسييرُه وتسييسُه.
--------------------------
من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك