كان حصاد نشأة الدولة الوطنية معادن نهبت ، وتوطينا عشوائيا للسكان الرحل ، وراجت في تلك الحقبة ثقافة التشكيك في الثوابت والترويج للأفكار الوافدة ، وتعمدت الادارة التي أرضعها المستعمر تجاهل حضارة قيم فريدة ، أقلعت مزنها، وتم النأي عنها لغة و ووحيا و تشريعات،وذاق علماء وصلحاء الجمهورية ألوانا من السخرية ، و رغم كل التضحيات التي بذلها ابناء حضارة الدواة واللوح، خرجنا بوهم دولة لا تنمية فيها اقتصادية او تربوية أو دينية ، تحكمها بقايا ادارة استعمارية ومشائخ قبلية ، ذهبت مع جيل الحرب العالمية الثانية آمالها واختفت أهم رموزها..
وجاء حصاد "انتفاضة 10 يوليو" مكرسا سطوة البنك الدولي، وزيف المؤسسات الديمقراطية وانتخاباتها،
ومبرزا أثر أزمة توطين الرحل بمدينتي انواكشوط وانواذيبو على ساكنة هذا المنكب البرزخي.، وخرجنا بعد نيف وعشرين سنة، بمشهد دولة بلا مؤسسات ديمقراطية حقيقية، و تحكمها مركز قوى هي بقايا حركات اديولوجية آفلة وممزقة.
ومع ظهور تغيير ثوار أغسطس في الألفية الجديدة، اصبح نظام الانتخابات وشكل الحريات غير مزيف، وبرزت أوجه من استقلال القرار، و تم اعادة تأسيس الجمهورية خصوصا في مجالي الأمن والتنمية وبناء قدراتهم في مسارات متعددة.
الا أن مراكز القوى التي خلفها جيل ميفيرما، وادارة
لغة العمل ، و كم الطلبة المكونين في الخارج في شتى المشارب والاتجاهات ابان حقبتي التأسيس والبنك الدولي دون كيف، وأشكال اصلاحات التعليم المختلفة التي فرضت على الرأي العام في غياب دولة المؤسسات خلال الثمانينات والتسعينيات مخلفين أزمة هوية ثقافية وفكرية ، أوجدت ممانعة أمام تيار التغيير البناء، ولا تزال تحاول وضع كوابح أمام سير القطار على السكة.
فالعقل الناشف للمعدن، والفكر الذاهل للمتخرج من أتون النظام التربوي المأزوم، ومخلفات فشل التجارب المركبة للحلول الاقتصادية المرتجلة ، لمن يرى المثل في جواره أوفي حواضن المستعمر، منع بعض المهرجين و الساسة من بناء رؤية ايجابية لما شهده البلد من تغييرات جوهرية وشاملة في مسار الحالة المدنية ، وفي أمن المواطن والحدود، وفي القطاعات الخدمية ،وفي تألق البلد الدبلوماسي اقليميا وقاريا ودوليا.، وسطوع نجمه في مجال مقاربات الحريات و الأمن والتنمية.
يقولون ان ابليس خرج ببضائع ثلاثة من الجنة
هي الحسد والكيد والكذب، فاشتراهم ثلاثة..
وللأسف فان نخبة سياسية تترسم خطاها على هذه الطريق نراهم قد اشتهراهم التاجر الكذوب مرارا، والظالم الغشوم جهارا، الذي ينفق سلعته باليمين الغموس، وقد مردوا على اتباع شهوات المستعمر مستغلين شتى خطط المكر والكيد لمحاربة نجاحات بلدهم ، ولم يعد أشد الناس ثقة فيما مضى من مناضليهم يؤتمن على شهادته على بلده، لأن داء الحسد وحب كسب الدرهم المغشوش دب بينهم.
خلقت مراكز القوى بطانات لها في العصر الأول من الأملازة وتجار العشائر، وفي الثاني من الهياكل وتجار الحركات..واليوم فان مراكز القوى تحولت الي أفراد متنفذين يبحثون عن مطامع السلطة ،أو اعادة السيطرة على مقدرات البلد ، وكل واحد منهم له سماسرته، وبشمركته، وغلمانه، وحسده، ومكره، وكذبه.، يضرب كفا بكف، ويسعى رجلا برجل.
جرب الموريتانيون معارضة الاندماج في حزب الشعب في السفر الأول، ومعارضة الاندماج في الحزب الجمهوري في السفر الثاني، وسمعوا وشاهدوا كيف لعب الغمار بهذه المعارضة أو على الأصح الجفاف في الموارد والتصحرالذهني مؤخرا.
ان بناء رؤية مقاصدية يخلص فيها لله، ويراد بها وجهه، وتحدد فيها الأخطار، ويحافظ فيها على مكاسب ثوار أغسطس الأوفياء، وتنتزع فيها أنياب
مراكز القوى الوهمية والواهمة هي سبيل الطريق للتأسيس لموريتانيا الجديدة، المتصالحة مع ذاتها، المعتزة بأمجاد مقاومتها، الحانية على أبناء شهداءها الرحيمة بضعفاءها وفقراءها، الوفية لتاريخها المجيد، وذلك هو جوهر خطاب فخامة الرئيس الأحمد العزيز بالمهرجان المهيب بمطار نواكشوط القديم.، وهذا الرئيس نقولها تباعا ومرارا، اذا قال فعل.