خمسون عاما من الفكر السياسي, و النتيجة ؟ النائب الحسين ولد محمد الهادي |
الاثنين, 04 نوفمبر 2013 10:00 |
يعرف الفكر السياسي بأنه مجموعة الأفكار والمبادئ والآراء السياسية التي تعاقب المفكرون السياسيون و الحركات السياسية من الناحية التاريخية في طرحها طبقاً لاحتياجات مجتمعاتهم وظروفهم التي تأثروا بها وعاشوا فيها. وبشكل مبسط يمكن تعريف الفكر السياسي لدينا بأنه مجموعة الأفكار والمبادئ والآراء السياسية لمختلف الحركات و الإتجاهات السياسية المتزامنة أو المتعاقبة و التي عرفها البلد. و بالبحث في تاريخ الفكر السياسي لدينا, نجد أن هذه الحركات و الإتجاهات, و مع إحترامي الكامل لها و تقديري التام لإضافاتها و لتضحياتها, كانت مدفوعة إما بسلبيات العامل الإجتماعي أو الطبقي (الكادحين) أو بعامل الإنتماء القومي (القوميون العرب و الزنوج) أو بسيطرة العامل الديني (الإخوان المسلمون) أو بتأثير منطق الغنيمة (القوى التقليدية و أعوان المخزن) و إقتصرت هذه الحركات السياسية في فكرها و مبادئها و أطروحاتها السياسية على دوافعها الذاتية بدل النظرة السياسية الشمولية و الفكر السياسي متعدد الأبعاد. أما ما عدا هذه الحركات السياسية فلا يعدو كونه أطر سياسية (أحزاب) و مع إحترامي و تقديري الكاملين لها, إلا أنها أنشئت لأغراض إنتخابية بحتة و لغاية وحيدة وهي الوصول أو المحافظة على السلطة, و بالتالى فإنها لا تحتكم على قيمة مضافة في الفكر السياسي الوطني. الملاحظة الأولى : أن هذه الحركات و الإتجاهات و بمجملها, إعتنت أساسا بالوطن (الكيان الثقافي و الإجتماعي) مع غياب شبه تام لتقوية مفهوم الدولة الجامعة (الكيان السياسي) بإستثناء القوى التقليدية و أعوان المخزن لا حبا بالكيان السياسي بل رغبة في غنائمه, في حين إن البعض منها حاول إضعاف هذا الكيان كالحركات القومية سواء منها العربية أو الزنجية. الملاحظة الثانية : أنها و بمجملها أيضا غيبت أو أهملت مفهوم و آلية التنمية (الكيان الإقتصادي) و الدور الأكبر في ذلك كان للقوى التقليدية و أعوان المخزن مدفوعين بمنطق الغنيمة و المصالح الخاصة لاالعامة, مما أدى إلى إقتصاد أقل ما يمكن أن يوصف به أنه بدائي بمفهوم التطور الإقتصادي, و إنعزالي بمفهوم الشراكة الإقتصادية سواء كانت إقليمية أو دولية, و غير تفاعلي بمعنى التأثر و التأثير في الإقتصاديات الإقليمية و الدولية, و أكبر مثال على ما نقول أن إقتصادنا لا يتأثر بالهزات أو الأزمات الإقتصادية من حولنا لا بسبب قوته و لا بسبب الوقاية الموفرة له بل للأسباب الإقتصادية السلبية آنفة الذكر. الملاحظة الثالثة : أنها حركات غير متجددة و تعمل خارج الحيزين الزمني و المكاني (محلى, إقليمي و دولي) و ما يصاحبهما من تغير في المعطى و الظرف السياسيين و الإجتماعيين و الإقتصاديين, مع إستثناء الحركة الإسلامية و التي يقتصر تأثرها بالإسلاموية العالمية مع غياب شبه تام لديها لأي تأثر بالمعطى و الظرف السياسيين المحليين أو الإقليميين. نستنتج مما سبق أن لا فكر سياسي تراكمي لدينا, و أيضا أن لا تطور لهذا الفكر بفعل عدم تأثره بالآخر أو بالتأثيرات المحلية و الإقليمية و الدولية, بل إن ما لدينا لا يعدو كونه عبارة عن حركات مستوردة من خارج حدودنا أو ردات فعل إجتماعية أو ثقافية أو عرقية و لا علاقة لها بالمفهوم السياسي الكوني لا بالسياسة و لا بالعوامل السياسية, و تبقى تأثيراتها مرتبطة بظرفية و زمن نشأتها مع غياب تام لأي نوع من أنواع التلائم و التناغم مع المتغيرات الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية المحلية و الإقليمية و حتى الدولية و التي من غير الممكن تجنبها أو إجتنابها. و بما أن النظام السياسي هو نتاج للفكر السياسي, و هو أساس الجانب الفكري والنظري للتحول الديمقراطي في أي مجتمع, و يعتبر أيضا المحدد الرئيسي لنمط النظام الإداري و مدى ملائمته لخصوصيات المجتمع و الدولة, و حيث أن التنمية الإقتصادية و كما هو مثبت علميا ترتبط إرتباطا و ثيقا بالنظامين السياسي و الإدارى. فإن النتيجة و بعد خمسين عاما من الفكر السياسي, أننا فشلنا في بناء مجتمع متماسك و متناغم و متكامل بل إن الكل يصفه بالنسيج الإجتماعي الهش, و فشلنا في بناء دولة قوية و ذات أسس ثابتة بل إن الكل يخشى زوالها, و فشلنا في خلق تحول ديموقراطي سليم بل أكتفينا بنظام الحزب الواحد في الجمهورية الأولى و أستوردنا على عمانا النظام الديموقراطي الغربي المعلب في الجمهورية الثانية و حتى بدون أن نأخذ في الإعتبار خصوصياتنا السياسية و الإجتماعية و الثقافية و الإقتصادية و مدى ملائمته لها, و فشلنا في النهوض بنظامنا و منظومتنا الإدارية و أكبر دليل على ذلك أننا لم نستطع لا تقريب الإدارة من المواطن و لا وضعها في خدمته و لا تطوير كفاءاتها كأداة للتنمية, و فشلنا أيضا في خلق إقتصاد و طني صناعي أو خدماتي أو حتى ريفي فما لدينا لا يعدو كونه أعمال إقتصادية نفغية للبعض و بدون مردودية لا على سوق الشغل و لا على دخل الفرد و لا على مستوى الحياة, و يرتبط وجودها و حركتها و دورتها بمقدار ما تضخه الخزينة العامة من سيولة لتغطية نفقات الرواتب أو توريد إحتياجات الإدارة أو تمويلات مشاريع البنية التحتية الممولة من طرف الدولة. فهل بإستطاعتنا الصمود في عالم البقاء فيه للأقوى و الأكفأ و الأكثر تماسكا, و في علم تبقى النظرية الوحيدة المطبقة فيه هي نظرية الإصطفاء ؟ كان الله في عون أجيالنا القادمة. |