بين الشيخ الددو والشيخ غوغل
الأحد, 15 ديسمبر 2013 11:12

ولد أبهلن أحدثكم عن الشيخ الددو، فهو غني عن التعريف، لكنني سأحدثكم عن الشيخ غوغل فهو عالم علامة وقطب فهامة، وحيد عصره وفريد مصره... يشارك الشيخ الددو في كل هذه الصفات، و في صفة أخرى انفرد بها الشيخان في هذا العصر فلا يجاريهما فيها أحد.. قوة الذاكرة.

هذه الصفة التي ينفردان بها ربما كانت أحيانا، مصدر خلاف بينهما، لكنه خلاف بين جهبذين لا بازي فيه ولا ديك... رغم ما يجمع الشيخين من صفات حميدة، فإن الشيخ غوغل يمتاز بتواضع جم؛ فقد تسأله فيحجم عن الفتوى، ويطعن الناس في معلوماته، دون أن يمسهم أذى من مريديه الذين لا يقلون عن مريدي الشيخ الددو! يذهب الشيخ غوغل في  تواضعه أبعد من ذلك فيدعو متصفحيه إلى الإضافة على معلوماته، أو تصحيحها! ويصل تواضع وصدق الشيخ غوغل مداه حين يكشف أنه كتب اسمه خطأ وظل الخطأ يلازمه.. يقول الشيخ:" كلمة  "Googol لاحظ ليست Google هي مصطلح رياضي يعني 1 متبوعًا بمائة 100 صفر. وقد وضع هذا المصطلح العالم ميلتون سيروتا، ابن أخت عالم الرياضيات الأمريكي إدوارد كاسنر، وانتشر هذا المصطلح في كتاب "Mathematics and the Imagination" الرياضيات والخيال الذي ألَّفه كاسنر وجيمس نيومان." تكشف لنا هذه السيرة المتواضعة، وجه تشابه آخر بين العالمين فلكل منهما خال جهبذ كبير، لكننا لا نعلم على وجه الدقة صلة الشيخ غوغل بخاله، هل تربى على يديه، ونهل من علمه... أم أنه... يظهر الاختلاف من جديد بين الشيخين فليس للشيخ غوغل انتساب سياسي معلن بينما يشتهر الشيخ الددو بانتسابه إلى حزب الإخوان المسلمين وتنظيمهم العالمي. وقد صرح نائب رئيس حزب الإخوان عندنا أنهم لو أرادوا "استخدامه" [المصطلح لمحمد غلام] لفعلوا. ومحمد غلام صادق في هذه المرة، فقد استخدم الإخوان الشيخ الددو تاسع ذي الحجة على جبل الرحمة، وأعادوا استخدامه، في جرعة ثانية، يوم النحر في منى.. واستخدموه عند "الشروق"، حين لاحظ الصحفي أن فتوى النفير إلى سوريا أدت إلى قتل العديد من الشباب... فرفع يده فقال: "فتوى الجهاد في سوريا تخص أهلها ولم يطلب من الشباب النفير إليها... بالنسبة إلى الفتوى لم يطلب من أبناء الخارج أن يأتوا. طلب منهم أن  يدعموا الشعب السوري، أن يدفعوا له المال..." نعرض قول الشيخ الددو على الشيخ غوغل، صنوه في الحفظ، فيخرج لنا نص البيان الذي حضر الشيخ تلاوته بتاريخ 13/6/2013 في القاهرة. يقول النص: "أولا: وجوب النفرة والجهاد لنصرة إخواننا في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد والنصرة..." لقد تعمد البيان البدء بما لم يبدأ به الله في غالب الآيات الداعية إلى الجهاد، فبدأ بالنفس قبل المال إمعانا في حث الشباب على النفير إلى سوريا، ثم إن كلمة النفير ذاتها تعني الجهاد بالنفس. فالدعوة إذن صريحة في تحريض الشباب على القتال في سوريا باسم الجهاد. وقد بدأ البيان قوله تعالى.. :أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"، وهي آية الإذن للمسلمين بالقتال، واستشهد البيان بقوله تعالى.. "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله..." للتأكيد على أن المطلوب هو القتال في سوريا، وليس مجرد بعث المال والدواء كما ادعى الشيخ الددو... ويصنف البيان الحكم الشرعي في سوريا في خانة الكفار والطواغيت حين يستطرد في الآية الثانية:" الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا." فلا ذكر في الآيات الثلاث التي استشهد بها البيان للمال والدواء والغذاء بخلاف ما زعم الشيخ الددو! يستمر البيان في نقطته الثانية في الحث على القتال.. "ثانيا: اعتبار ما يجري في أرض الشام من عدوان سافر من النظام الإيراني وحزب الله وحلفائهم الطائفيين على أهلنا في سوريا يعد حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة." تظهر ركاكة اللغة مبلغ الغضب. فقولهم "اعتبار ما يجري يعد..." غاية في الركاكة. لكنهم معذورون، فقد كان البازي بينهم... لا يخفي البيان احتفاءه بالتكفيريين الذين يذبحون على الهوية، ويأخذون بالظنة، فيستنكر، في نقطته التاسعة "تصنيف واتهام بعض فصائل الثورة السورية بالإرهاب..." ينافح البيان بوضوح عن جبهة النصرة وأغلب منتسبيها من خارج سوريا جاءت بهم فتاوى "الجهاد" التي أطلقتها منظمة شيوخ الفتنة... يحفر الشيخ غوغل في ذاكرته أكثر فيكتشف أن الشيخ الددو استضافته الجزيرة في "شريعتها وحياة الناس" فوصف البيان بأنه إجماع لا ينبغي لأحد معارضته، وبالغ، كعادة أهل الصحراء، فقال إن الساكت من العلماء موافق على ما ورد في البيان! لكن ثلاثة من أجلاء علماء بلده وردت أسماؤهم في الموقعين على البيان برئوا مما جاء فيه، ونفوا بشدة مجرد علمهم به! يقول الشيخ الددو:"هذا إجماع لا يجوز لأحد أن يخالفه... العلماء الساكتون يقرون هذا." وفي نفس المقابلة، التي جاء فيها الشيخ بالعجائب في فقه الجهاد، كفر النظام، وكفر رئيسه، وزعم أنه يستوجب الجهاد ضده لذاته، و لأفعاله... ثم يصرح للشروق بأن تلك الفتوى لم تدع للقتال، وإنما لبذل المال والدواء والغذاء... سبحانك...! يستمر الشيخ غوغل في تتبع مقابلة الشيخ الددو مع الشروق ليكتشف أن مواقف الشيخ من الحرب على سوريا، وفتاويه تميل مع الرياح الأمريكية التي تهب في اتجاه أشرعة إيران، والواقع على الأرض السورية حيث وقف الخوارج على أبواب عاصمة الأمويين ثم انهزموا الآن كما هزموا من قبل، فتنصل الشيخ من مواقفه، وأعاد تأويل فتاويه! يسأله الصحفي عن دور العلماء، والفتاوى فيجيب بما يخالف تماما ممارسات منظمة علماء الفتن التي ينتمي إليها.." العلماء المقصود بهم علماء كل أهل بلد، فهم الذين يعرفون واقعه ويحلون الإفتاء به. أما الفتوى فلا تأتي معلبة بل العلماء الذين يفتون بواقع البلد. وكل أهل بلد لا يعرفون واقع بلد لا يحل لهم الإفتاء فيه. فالفتوى من شروطها أن تكون على بصيرة واطلاع على الواقع والوضع فإذا كنت تفتي في أمر لا وجود له أو حسب ما يصوره لك طرف واحد فلا تأخذ بالعدل والحق ولذلك يسأل علماء الجزائر عن واقعهم وكل علماء بلد يسألون عن واقعهم." يصور الشيخ الحالة تصور العارف بها، فكل ما استنكره مارسه، هو ومنظمته. فإذا كان علماء الجزائر يسألون عن حالها، فلماذا لا يسأل علماء ليبيا، وعلماء سوريا قبل إصدار فتاوى التكفير، والنفير التي يتنصل منها الشيخ اليوم! يستنكر الشيخ الددو، في النص، الأخذ بقول طرف واحد، إلا أنه لا يزال يردد قول طرف واحد عن أزمة ليبيا، رغم اكتشاف العالم جميعا تهافت روايته، وكذب شهوده العيان.." لكن الذي حصل في ليبيا أراد إبادة الشعب والقضاء عليه... وسيأتي بالملايين من المرتزقة في العالم. وهذا ما أراده بالفعل، أراد مسح الشعب الليبي من الخريطة." تصدر هذه التأكيدات القطعية، والمعرفة اليقينية لمكنونات النفس ممن لا يفرق بين الرئيس المالي المؤقت، ورئيسها المنتخب فيحسبهما شخصا واحدا! يقول الشيخ، في معرض دفاعه عن فتواه ضد التدخل الفرنسي في شمال مالي.."... وهذا الحل كنا قد عرضناه على الرئيس المالي المؤقت السابق الذي انتخب الآن رئيسا للبلاد." أليس هذا مشينا! يطالب الشيخ بعدم الإفتاء في شؤون بلد ما لم يكن المفتي مطلعا على أحوالها، وقد أفتى في الشأن المالي وهو لا يعلم أن الرئيس المؤقت تراوريه، لا يحق له الترشح، وأن الرئيس المنتخب كيتا، وصل إلى الرئاسة بعد شوط ثان... فترة طويلة تسمح للشيخ، الذي يفتي في كل الدماء؛ من الحيض والنفاس إلى قطع الأعناق، أن يعلم أن "الرئيس المؤقت السابق" ليس هو "الذي انتخب الآن رئيسا للبلاد." إذا كان الشيخ قد جهل هذا من أحوال مالي، المعلوم عند جل الناس، فهو بأمورها الخفية، التي يفتي فيها، أجهل. لكن الأمور أقرب من هذا كله. فقد توقع حزبه، ضمن سلسلة توقعات ظهر بطلانها رغم الأيمان المغلظة، أن الدولة الموريتانية ستشارك في الحملة على الشمال المالي، فبادر إلى إصدار فتواه لإحراجها، فكانت بذلك فتوى معلبة سقطت صلاحيتها قبل بيعها. هكذا يجد الشيخ غوغل نفسه مضطرا لتذكير صنوه في الحفظ وسعة العلم ببعض ما نسي من فتاوى ومواقف.. فالشيخ غوغل ساذج في استخدام ذاكرته، مولع بتوثيق مصادره، لكنه لا يمارس السياسة تحت عباءة الدين.. سيدي محمد ولد ابه [email protected]