موريتانيا ودول الساحل.. الرائد الذي لا يكذب أهله |
الأحد, 16 فبراير 2014 14:28 |
في غمرة انشغالنا بالشأن الداخلي، من استحقاقات محلية وتشريعية، وما تلاها من تشكيل للحكومة، اللذين واكبتهما أحداث داخلية هامشية، أراد لها البعض أن تشكل الصورة الخارجية للبلد، تمكنت بلادنا من الظهور على المستوى الإقليمي والقاري بوجه جديد، أعاد الأَلق لحضورنا داخل المنظومة القارية، بعثا لدور أسس له جيل الاستقلال، وغيب بعد ذلك، لنعيش سنوات جفاء ـ عجاف ـ مع عمقنا الاستراتيجي . الدور الجديد الذي تم إفتكاكه في ظل ظرفية دولية معقدة ـ ربيع لم يكتمل إزهاره، وحرب على الحدود لم تحسم ـ يفترض أنه مكسب لبلدنا، لم يعدم أن تقف في وجهه بعض القوى الداخلية، من خلال حملة فاشلة لتشويه هذا الحضور مستخدمة شماعة المؤامرة، وتارة لمحاسن الصدف، لكن توالى الصعود من خلال الحضور اللافت في المحافل الدولية أخرس أرباب التخرص ـ ربما إلى حين ـ بعد دحض حججهم حيث يستحيل علميا أن تتكرر الصدفة ، ويمتنع منطقا أن يجمع الأشقاء العرب والأفارقة على التآمر على قرارات هم من أصدرها من خلال الاتحاد الذي يجمعهم، ولماذا هذا التآمر؟ سؤال تحمل الإجابة عليه سقوط دعوى من يشكك في المكانة السامقة التي تتربع عليها بلادنا في أهم المحافل القارية والإقليمية. أن يظهر رئيس الجمهورية كفاعل دولي محوري، حيث تترأس بلادنا الاتحاد الإفريقي، وأن نقود المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية، و تتحول عاصمتنا إلى وجهة لقادة دول الساحل، كل ذلك في أقل من أسبوعين يستدعي منا أن نتساءل كيف تأتى لنا أن نتبوأ هذه المكانة المتقدمة في هذه الهيئات؟ بالتأكيد لابد أن يكون للحنكة دورها، ولبعد النظر موقعه، فكان النتاج الطبيعي لذلك سياسة خارجية ناجحة تجسدت في مواقف سديدة من قضايا وأزمات إقليمية صورت لنا حينها أنها كارثية على البلد، مثل الموقف من الحرب في مالي التي أدخلنا فيها قسرا، قبل اندلاعها، على ذمة بعض ساستنا ممن يرجمون بالغيب، وحُمِلنا وزرها من خلال رسم دور خفي متخيل، قصد به تأليب بعض حكومات دول الجوار دقا لإسفين، لم يتجاوز أن عاد على أصحابه بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
لقد عاد لموريتانيا دورها الريادي في القارة السمراء كما كان سابقا، وما ينبغي أن يكون مستقبلا، فعادت لحضنها الإفريقي الدافئ، بعد قطيعة أريد لها أن تتواصل، كما ألتحمت بمحيطها العربي الذي تجاوز نظرية المركز والأطراف، التي تصدق في جزئية صغيرة، هي التخندق في صراع أشقاء "المركز" مما يزيد من تدفق شلال الدم إمعانا في إضعاف الأمة بدل العمل على جسر الهوة الذي يستدعى الوقوف على مسافة واحدة من المتصارعين. وبين هذا وذاك يقف اليوم في نواكشوط، قادة دول الساحل، تكريسا لدور قيادي مستحق، واعترافا بمواقف صائبة، أثناء مختلف الأزمات الإفريقية خلال السنوات الفارطة، وإيمانا بمصير مشترك وتحديات يمكن التعويل على إمكانية التغلب عليها من هنا، أرض الرجال، ومنطلق المحجة البيضاء إلى عمق مهد الحضارة الإنسانية عموما، وبلدان الساحل على وجه التحديد. من هنا، موريتانيا، التي أكدت للأشقاء في الساحل أن الرائد لا يكذب أهله، حين حذرت من خطر الإرهاب في الساحل، ووقفت حينها لوحدها في مواجهة هذا الخطر، وتجسيدا لجدية موقف قيادتها و عمق رؤيتها، قدمت التضحيات، فروت دماء شهدائها ساحات المواجهة، ولم تتأخر حين اكتشف الأشقاء صدق موقفها، وطلبوا أن تقف معهم، أن ترفض هذا الطلب بكل مسؤولية، ليفهم الجميع أن الحرب لم تعد حربها، لكن في المقابل، منحت أشقائها الأمان وحمتهم من أن يطعنوا من الخلف حيث تمتد الحدود الموريتانية المالية، لتضع بذلك اللبنة الأولى لثقة وإحترام متبادل كانت ثمرته تواجد قادة بلدان الساحل اليوم بيننا، ردا لجميل، واعترافا بخبرة، واحتراما لصدق قرار سيادي، عزز من دور بلادنا كقوة عسكرية ضاربة ودبلوماسية وازنة يحسب لها حسابها في المنطقة. أحمد ولد محمدو كاتب صحفي |