الشيخ .. والمسار المكشوف بقلم / عبد الله الراعي.
الاثنين, 23 ديسمبر 2013 10:44

صورة مضمّنة 1يحكى أن شيخا وقورا كان يتمتع بمكانة خاصة في نفوس مجتمعه نظرا لمكانته العلمية والاجتماعية ، فأضحت مجالس القبيلة لا تنعقد إلا بوجوده فهو ثاقب النظر بعيد الرؤية ثامر في تحليله واستشرافه للمستقبل وطموحه

المشروع في أن يساهم في صناعة مستقبل بلدته الصغيرة ..

 تميز الشيخ كذلك بحس مرهف في تعامله مع جميع المكونات من الشيوخ والشباب والنساء فهو أيضا طبيب بارع في كشف أسرار النفس وعلاج أمراضها بكل هذه الخصال استطاع الشيخ أن يكون أيقونة القبيلة العلمية ومحل ثقتها ومعقد مجالسها ، وفي ذات مساء مشؤوم طلب الشيخ من إحدى خدمه وهي فتاة قاصر تقوم على خدمته أن تجلب له ماء ليتوضأ لصلاة المغرب ، فجلبت الفتاة الماء وصبت في يدها حتى امتلأت ولطمت على وجه الشيخ ..!

فوقعت الحيرة في نفوس الجميع محاولين إيجاد تفسير للموقف الغريب والسابقة المهينة فوقعت نظرات الجميع ومنهم الشباب والشيوخ والنساء على عيون الماء وهي تتدفق من وجه الشيخ في صمت شديد.. وتمتم الجميع بنبرة مبحوحة " ذلك إلا سابك شي" أي أن الفتاة لم تقم بفعلتها بعفوية فالشيخ له معها سر خاص. لم يستطع الشيخ أن يرفع بصره لعمله أن السر قد انكشف بشكل لم تعد تجدي معه المعالجة حتى لو استخدمت جداول سر الحرف . فقرر أن يرحل عن مجتمعه وحلفائه إلى الضفة الأخرى

 فسرى بقطع من الليل متلبسا بأشجار الغابة الكثيفة حتى وصل لمكان به قوم سمعوا عن الشيخ كثيرا فاستقبلوه بحفاوة وكرم وبعد ثلاثة أيام من الضيافة طلب منهم أن يبقى معهم لأنه يكره العودة إلى مجتمعه نظرا لبعض الملاحظات الأخلاقية عليهم مدعيا انه مكث فيهم سنين يدعوهم للفضيلة والعمل من أجل بناء البلدة الصغيرة ,غير أن آذانهم صمت وعيونهم تبصرت والان يقول الشيخ: قررت أن اتركهم ووقع اختياري عليكم انتم, لعملي أنكم كنتم على خلاف مع أهلي واقر لكم اليوم أنكم كنتم على حق , وكانت معارضتكم لأفكارهم مشروعة جدا فهل تقبلون بي كمناضل في صفوفكم من أجل تحقيق مطالبنا المشروعة؟.

 أردت أن تكون هذه القصة مجرد مدخل إلى قصة المسار الحانوتي الذي أتحفنا به الدكتور الشيخ ولد حرمة ،وما يهمنا هنا في هذه القصة هو انتقال الشيخ للضفة الأخرى والمبررات التى ساقها للرأي العام  لقد كانت توبة الكاتب والسياسي موجهة في فاصلة زمنية عادت لا تقبل فيها التوبة السياسية فالقصة الحقيقة هي ان الشيخ كان يبحث عن مقعد في الجمعية الوطنية , غير ان قصة وزارة الصحة منعته من تلك المكانة فالأمر طبيعي جدا، وكان من الأمانة ان تكون هذه القصة هي المدخل لحكاية الشيخ المغاضب على أصهاره وذويه .

 وهو الذي عرفناه لسنوات مدافعا عن سياسة الحكومة وبرامجها التنموية خاصة في مجال تخصصه حيث تم اختياره لحقيبة الصحة ولقد أبلى فيها من الصفقات المشبوهة ما لم يسبقه له أحد فتم عزله بقرار من الرئيس الموريتاني وهذه قصة مازال الرأي العام الوطني يتذكرها بكل تفاصيلها ، كنت أفضل ان تكون توبة الشيخ تحترم عقول الناس وتحمل لهم كل تفاصيل التوبة الصاروخية من رجل يعرف كيف يعود مهما كان المسار ..

وفي هذا السياق بالتحديد هل يعي الشيخ ان منسقية المعارضة الديمقراطية ليست إلا ذراعا من اذرع الشيطان أخشى عليك يا شيخي ان تكون وقعت في أحضان الشيطان وتذهب التوبة الجميلة في غياهب الجحيم ، وحينها ستكون قد اشتعلت مراكب العودة فعلا وأغلقت أبواب التوبة من المسار الجديد .. ارحمنا أيها الشيخ فإن العيون التى أبصرت فيك يوما مصلحة للوطن هي من أطاحت بك دون تشاور مع قادة المنسقية المصلحين اليوم من وجهة نظرك ..!

 وذات العيون مازالت تسهر على تحقيق برنامج الإصلاح الذي تخوضه البلاد بكل تفاصيله من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها فعن أي مسار تحدثنا اليوم .. لقد التقيت بالكاتب أثناء مسيرة " إفشال المهزلة الانتخابية " التى نظمتها المنسقية قبل الشوط الثاني من الانتخابات بيومين وسألته عن اختياره الوقوف في صفوف المعارضة المطالبة بتغيير نظام كان الكاتب إلى حد قريب يدافع عن برنامجه ، فأجابني : أنا عبرت إلي الضفة الاخري لألتحق بصفوف المعارضة الديمقراطية لإيماني بخيارها المشروع في تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتنمية البلد ، لقد عملت في الضفة الأخرى على تحقيق جزء من هذه المطالب لكني اكتشفت للأسف الشديد انه ليس في القوم رجل إصلاح وبالتالي قررت تصحيح المسار" . تحدث الشيخ في الحلقة الثانية من "المسار الحانوتي عن استحالة ان يتم تداول سلمي على السلطة في موريتانيا نظرا لما يصفه الشيخ بعدم توفر قواعد اللعبة السلمية للعملية الديمقراطية وهنا يحق لنا أن نتساءل عن ماهية التغيير الذي يطمح له الشيخ الثائر ..

يبدو ان الشيخ في قراءته لواقع النخبة السياسية كأنما يترحم على قدرتهم في تحقيق التبادل السلمي على السلطة ويرسل في المقابل برسائل وردية إلى النخبة العسكرية حين يجري مقارنات بسيطة كانت بلغة التواريخ ، لقد ذكر الشيخ تاريخ مولد الديمقراطية وصب عليه من الشؤم ما يستحق ، واتبعه بتاريخ أول انقلاب على السلطة المدنية يذكر الشيخ هذا التاريخ بشيء من التعاطف مع قرار الجيش آنذاك ثم تحدث بشيء من الضبابية عن انقلاب ألفين وخمسة .

 المهم عندي هنا هو الوقوف على مطلب الشيخ بشيء من الشفافية والوضوح فالشيخ يريد تغييرا عسكريا يبعد النظام الحالي عن هرم السلطة في البلد وله الحق فالرجل مغاضب وأرجو ان لا ينسى قوله تعالي " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " واعرف ان ذاكرته قرآنية جيدة لكن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم .

 لم أتوقع ان يعبر الشيخ إلى الضفة الأخرى عبر مركب متهالك أنهكه شعار الرحيل الذي حمل عليه سنتين ولم يجدي فغيروا الشعار عل المركب يتحرك من جديد ، لا يساورني شك في قدرة الشيخ على تشخيص مرض منسقية المعارضة الديمقراطية ، لكني اشك كثيرا في قدرته على تحريك مركب تعطلت محركاته وأكلها الصدأ لقد وقع كاتبنا المغوار في الفخ ..

فكيف سيكون مسار العودة ؟ ونحن نقرأ الآية الكريمة " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " لا اشك أبدا في شجاعة النخبة المعارضة وجدية مشروعها ، لكني رأيت منها من التناقض الشديد وعدم وضوح الرؤية ما يجعلني أخشى على مصير البلاد إذا وقعت في ذلك المشروع فكيف بعسكري مازالت أجنابه تنصبب عرقا من البزة العسكرية ان يطالب بإبعاد الجيش عن السلطة , أليس في هذا المطلب إهانة للرأي العام الوطني خاصة إذا كانت هذه المطالب على ألسن قادة سابقين لانقلابات فاشلة  أو ناجحة على حد سوا فهي انقلابات مهما كانت مبرراتها ؟

 ثم ان القادة الآخرين في المنسقية أما مشجعون لانقلاب نجح واقصاهم , وأما يحملون في طيات صدورهم مشاريع الدعوة لانقلابات قادمة ، أما والحال هذه فإن الحل لن يأتي من النخبة السياسية سواء كانت في أي الضفتين , بل إن الحل يأتي من تجديد النخبة عامة سياسة وعسكرية واقتصادية وهي في الطريق تخطوا خطواتها الأولى ـ حينها سنتمكن من إنقاذ بلدنا من عقلية التآمر والمغاضبة والانقلابات سواء عسكرية أو سياسية فهي انقلاب ..

وإذا ما نجح مشروع الرئيس ولد عبد العزيز في تحقيق هذه الثلاثية فإن القطيعة ستكون قريبة جدا بل أكثر مما يتوقع ، وقد شكلت الانتخابات النيابية والبلدية احد الخطوات الهامة في هذا الاتجاه فلأول مرة تدخل قبة الجمعية الوطنية وجوه جديدة على اختلاف مشاريعها السياسية , وكذلك على مستوى المجالس المحلية .

 ولعل تصويت الجيش الوطني وأجهزة الأمن كان فيه من الرسائل ما يكره مفكروا الانقلابات ان يسمعوه فلأول مرة يصوت الجيش وقوي الأمن بكل حرية ودون توجيه والأهم في كل هذا ان جناح الصنم قد كسرت ..! والعاقبة للمتقين.

وهذا المشهد هو النار التى تشعل نفوس الزمرة القابضة على مفاصل الدولة فكلما جفت منابعها تقوم بتحريك المؤسسة العسكرية من أجل إيقاف القطار ، لا يمكن لعاقل أبدا ان يثق في مشاريع النخبة السياسية المعارضة رغم عسلية خطاباتها وحبك مبرراتها . وعليه فإن الواقع السياسي والاقتصادي عوامل لابد ان ينطلق تغييرها في وقت واحد وإلا لن نتمكن من تحقيق التنمية والاستقرار السياسي وهذا ما يعيه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بكل تفاصيله والعول الكبير فيه على الشباب الموريتاني الباحث عن الاستقرار والتنمية بعيدا عن المشاحنات السياسية .

وأرجو ان يعي الشيوخ ان وقت الراحة قد حان وليعلموا علم اليقين ان البوصلة في يد الجمهورية الراشدة والطموح كبير والآمال مفتوحة على كل المصلحين . " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"

يتواصل ..