هل قررت السلطة استغلال شخص الرئيس الى النهاية فعلا؟ |
السبت, 18 يناير 2014 23:51 |
الزمان الثامنة مساء، المكان في قلب العاصمة بزاوية هادئة، بعيدة في نفس الوقت عن ضجيج السيارات وحركة المواطنين، مقهى في غاية الجمال والرونق، مفتوح على منظر طبيعي خلاب، زبائنه كلهم من المؤسسة العسكرية وبالأخص الأمنية منها، نادرا ما يوجد من بينهم مدنيً مثل الكاتب، كنت في ضيافة أحد المقربين من العلبة السوداء في الجزائر، لا يعرفه الاعلام مرئيا كان ام مكتوبا، لا يتقلد أي منصب يشهر به، أسجل هنا أن خدمات المقهى فعلا استثنائية في بلد كالجزائر، يفتقر كثيرا لفنونها وقواعدها، كما أسجل أن طعم البُّن متميز يعيد ذاكرتي، لمقهى بمدينة “مارساي” الفرنسية، حيث يعرض صاحبه سبعين صنفا من البن مستوردة من جميع انحاء العالم، وعلى الزبون ان يختار ايها ليعدّه النادل بالطريقة التي عرفت في بلده الأصيل، نكهة لا يمكن أن تنسى؛ مازال يراودني شك بأن العمال في ذلكم المقهى وحتى منظمي موقف السيارات كلهم ينتمون لقطاع الزبائن نفسه؛ كان الحديث طبعا يدور في معظمه حول أوضاع الجزائر، خاصة وأن رئيس الجمهورية قد امضى وقتا طويلا فيالمستشفى العسكري الفرنسي “فال دوغراس″، فجأة رن هاتف محدثي، وإذ به يوبخ المتصل وينفي بشكل قاطع الخبر، مبررا الاشاعة التي نقلها موقع اعلامي سويسري، بأنها هرطقة وزير معفي من وظيفته، أوشى بها لصحفي فرنسي لم يتحقق من صحتها. أنهى الرجل المكالمة ليقول لي اسم الشخصية الرفيعة التي اتصلت به، مستفسرة عن خبر وفاة رئيس الجمهورية، صابا جام غضبه عن اشاعات الوزير المقال، مستنكرا اقدام الصحفي الفرنسي على تبني الخبر الدعاية، وعدت منتصف الليل تقريبا الى البيت، وأفاجأ بصاحب البيت يتلقى مكالمة من كاتب فرنسي مرموق، يستفسر هوكذلك عن صحة الخبر، الذي قرأه على جدار صديقه الصحفي، واعتمدته وكالة أنباء غربية، نفينا الخبر بناء على مصدرنا الموثوق، واصدقكم القول أن في النفس علامة استفهام كبيرة، فكل المؤشرات تدل على صحة الخبر، وتداوله في فرنسا على مستوى رفيع يؤكد ذلك، فضلا عن تبكم مؤسسة الرئاسة، وغياب الاعلام الجزائري بشكل مقرف ومقزز، ومضت الأربع وعشرين ساعة، ونحن من حين لآخر نتفقد الفضائيات الأجنبية عسى أن تكشف الحقيقة، ويتلقى صديقي مرة ثانية مكالمة من الكاتب الفرنسي، هذه المرة أكد بأنه اتصل بصديقه الصحفي عاتبا عليه نشر خبر لم يتحقق من صحته، مما يصيب مصداقيته في مقتل، خاصة وأن الموضوع ليس بسيطا، فما كان منه إلا أن يبرر خطأه باعتماد فلان (الوزير المقال) مصدرا مقربا موثوقا به، وحمّله مسؤولية توريطه في هذا الأمر. كيف تأتى لصاحبي البارحة والخبر طري أن ينسبه للوزير نفسه، ويتحدث عن تفاصيل تدحرجه؟ سؤال بقي في ذهني الى اليوم، لكن الموقف يدل على أن الرجل يملك من المعلومات والمتابعة الآنية ما لا يستهان به؛ حدث هذا العام الماضي. هذا العام، ومنذ ثلاثة أيام يتداول كبار الصحفيين الجزائريين حسب متابعتي، شعورهم بالحيرة من خبر ثان عن موت رئيس الجمهورية، ولا مصدر مسؤول موثوق تقدم بتوضيح الصورة والموقف، بل حتى البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية فيه كثير من الالتباس وعدم المهنية حتى لا أصفه بأمر آخر، وعادت الى ذاكرتي جلستي مع الرجل في ذلكم المقهى، وتفاصيلها المهمة ليس الآن مقام ذكرها، لكن يمكن القول أن محورها وعنوانها “ماذا بعد الرئيس″، ومن بين ما فهمته أن صناع القرار في الجزائر عازمون على المضي برئيس الجمهورية الى نهايته، مهما كانت أوضاعه وحالته الصحية، وهم غير مهتمين بالإعلام الدولي والرأي العام العالمي، ولا بسخرية الطبقة السياسية في العالم المعنية منها بالجزائر، طالما أن المصالح مضمونة للجميع، والمراكز الأمنية الشريكة وذات الصلة (الامريكية والفرنسية) متفهمة لهذا القرار؛ لكن بالموازاة مع هذا الخيار، هناك رجل بديل اجتمعت فيه كل الشروط لرئاسة الجمهورية، مغيب عن المشهد الاعلامي، غير أنه شخصية تحظى فعلا باحترام كل الفاعلين في الجزائر، ولن تعارض رئاسته كل الدول الشريكة. المشهد اليوم في الجزائر أشبه بعام رحيل الهواري بومدين 1979، كان على سطح السياسة رجال يعتقد أن لا محالة أحدهم سيخلف الرئيس الراحل، منهم الرئيس الحالي الذي اعتبر نفسه حينها الرجل الثاني في الدولة؛ لكن مفاجأة السلطة الفعلية أخرجت للشعب رجلا – الشاذلي بن جديد رحمه الله- لم يكن معروفا، بل لم يرد في ذهن أي ممن كانوا يتطلعون لمنصب الرئيس؛ ويبدوأن المشهد سيتكرر ثانية مع فروق في اوضاع الجزائر داخليا واقليميا ودوليا، تُصعّب كثيرا من مهمة السلطة، وأخشى أن تزيد الوضع تعقيدا. لا أفهم شخصيا اصرار السلطة الفعلية على استنزاف رئيس الجمهورية الحالي الى آخر نفس فيه، هذا سلوك غير انساني بالمرة، ولا يؤشر إلا على اغتنام حالة الوهن والجمود لنهب المال العام بشكل غير مسبوق، حتى تمسح كل الجرائم الاقتصادية والمالية بحقبة رجل،مشرف على عقده التاسع يصارع المرض، خاصة وأن الرجل البديل موجود ويمكن أن يحظى بالقبول، لدى أوسع طبقة من الشعب وكذلكم الشركاء لما يتميز به فعلا، ذات الوقت أتساءل: هل هذا الخيار على خطورته الى درجة وصفه بالمغامرة، هووضع العصي في دواليب حكم الرجل القادم؟ ألا يحسب هذا توريطا آخر للجزائر وخذلانا للرجل المنتخب من قبل صناع القرار انفسهم؟. ختاما، المعلومات التي بين يدي وأطمئن لمصداقيتها، لا أحد ممن هم على سطح السياسة في الجزائر مرشح عمليا لمنصب رئاسة الجمهورية، أكان من زمرة دعاة العهدة الرابعة أم ممن يُصوّرون أنفسهم من المعارضة؛ وأنصح السلطة الفعلية أن تعتمد المادة 88 من الدستور، وتقدم رجلها فورا للشعب عسى أن يلقى قبولا، لما يتمتع به من نظافة اليد وخبرة عالية ومؤهلات علمية رفيعة، وتمسك بدينه وبثواب الشخصية الوطنية، وتكف عن استنزاف الرئيس الحالي بشكل غير اخلاقي ولا انساني، فكل تأخير يعرض الجزائر للخطر ومرشح السلطة يكون أقل حظا، هذا ما قلته في مقهى رجال المخابرات منذ عام سرا، وأعلنه اليوم لهم في صحيفة “رأي اليوم” بشكل رسمي وموثق.
اسماعيل القاسمي الحسني فلاح جزائري [email protected] |