قراءة .. في كفِ بطل الإخوان / عبد الله الراعي |
الأحد, 02 مارس 2014 16:01 |
قراءة الكفِ هي القدرة على معرفة طالع الانسان من خلال التأمل في يديه لمعرفة مدلولات تلك الخطوط المختلفةْ واستجلاءِ أسرارها وقد اتفق العلماء والفلاسفة على ان اليد تلعب دورا من أهم الادوار التى تلعبُها أعضاء الجسد الاخرى حيث قال عنها ارسطو " اليد عضو الاعضاء وهي الاداة الفاعلة للقدرات الكامنة لباقي الجسد ، ورفعةُ الانسان مرهونةُ ُبيديه ". أردت استخدام هذه المقدمة لمعرفة السر الذي يملكه الرجل الذي وجه كفَه للعالم الجليل الشيخ محد الحسن ولد الددو وماهي مدلولات تلك الفِعلة الشنعاء التى أقدم عليها صديق العالم الجليلْ، وهنا لابد أن نعود إلى يوم الحادثة والمحاولات التى قام بها الاخوان سعيا الى إخفاء هُوية الفاعل ، فقد قامت بعض كتائب الإخوان بإطلاق صفة المجهول والمجنون والمختلِ عقليا على الرجل الفاعل، ثم ظهرت بعد ذلك أوصاف أخرى من بينها عميلٌ للمخابرات الموريتانية ، وفي ما بعد تم توجيه الاتهام لسفارة جمهورية مصر العربية بالوقوف وراء الحادث، انتقاما من ولد الددو والاخوانِ بعد حادثة قصر المؤتمرات والمركز المصري ، لكن الامرَ سرعان ما انكشف في الساعات الاخيرة من نفس اليوم ليظهر أن الرجل الفاعل هو صديق شخصي للعالم الجليل محمد الحسن ولد الددو، وقف معه في أحلك أوقات محنته أيام السجن بالاضافة الى كونه قائدا سابقا في كتائب الاخوان ، حيث يقول عنه محمد غلام ولد الجاج الشيخ في تسجيل بمناسبة زفافه الذي حضره العالم محمد الحسن ولد الددو بنفسه " إن الأخ عبد الله ولد محمد لوليد هو أحد الأبطال الشجعان الندر في المجمتع الموريتاني ولا أدل على ذلك من حجم الوفود الكبيرة التى جاءته الليلة بمناسبة زفافه وعلى رأسهم إمامُنا وقدوتُنا الشيخ محمد الحسن ولد الددو ، كل هذا إكراما لبطولات ولد لوليد وصبره وكرم أخلاقه ، ويضيف غلام إن عبد الله ولد لوليد أرهق رجال الأمن وأتعب المخبرين أيام السجن، وكان بطلا من أبطال الإسلام نصر الله به الشيخ ولد الددو، فالذين هربوا من صحبة الشيخ أيام السجن خوفا ، يقول غلام، نقول لهم لا نامت أعين الجبناء "، لقد كشفت كف ولد لوليد عن سر كبير وصراع محتدم داخل كتائب الاخوان، وإن المتأمل لفعلة ولد لوليد وخطاب غلام يجد نفسه مكرهاعلى إلقاء نظرة والعودة بشكل سريع الى تاريخ حركة الاخوان المسلمين في موريتانيا . لقد برزت نواة الحركة الاخوانية في موريتانيا في بداية الثمانيات من القرن الماضي وقد التحق بهذا التنظيم العديدُ من الشخصيات الاجتماعية في موريتانيا، خاصة من طلاب المعهد العالي للدراسات والبحوث الاسلامية والمعهد السعودي، بالاضافة إلى بعض طلاب المحاظر الوافدين حديثي عهد بالمدينة، نشأ التيار الاخواني دون تمايز مع باقي الحركات الدعوية الاسلامية " الدعوة والتبليغ ، وجماعة السلفية العلمية " لكن سرعان ما تمايزت التيارات لينفصل كل منها عن الاخر ، وقد انفصل الاخوان بجناحين أساسين هما: جناح متطرف يميل إلى التكفير وجناح آخر وسطي ، ولم يدم شهر العسل بين الجناحين طويلا حيث إلتحق بعض من قيادات التيار المتشدد بمراكز الجهاد في عدد من الدول من بينها أفغانستان في ما بقيت مجموعة قليلة من الشباب تمثل التيار الاخواني النسخة الموريتانية، وكان من أبرز قيادات تلك الجماعة بوميه ولد ابياه ومحمد فاضل ولد محمد لمين وابو بكر ولد احمد والشيخاني ولد بيبه ومحمد جميل منصور، حاولت الجماعة الاستمرار والتماسك من خلال بعض الجمعيات الثقافية والنوادي من بينها نادي عائشة، لكنها لم تستطع النجاح في إقناع المجتمع الموريتاني بفكر الاخوان، وبقيت على تلك الحالة حتى مطلع التسعينات ومجئ الديمقراطية، حيث توزعت قيادات التيار بين الاحزاب السياسية خاصة حزب ولد الطايع " الحزب الجمهوري ، وحزب ولد داداه حزب تكتل اتحاد القوى الديمقراطية " وقد التحقت القيادات الفاعلة في التنظيم بالحزب الحاكم من أمثال محمد فاضل ولد محمد لمين وابوبكر ولد احمد وغيرهم من القيادات في ما بقيت جماعة قليلة من الشباب متربصة بين أحزاب المعارضة والتنظيم السري. الاخوان في موريتانيا: قيادة شابة تفتقد الى الحكمة والتجربة .. لقد اسهم إفتقاد القيادة الراشدة المجربة في تعثر مشروع الاخوان في موريتانيا، حيث انحرف مشروعُهم تارة نحو التطرف، وأخرى نحو الضبابية وعدم وضوح الرؤية ، ففي منتصف التسعينات، تم القبض على عناصر جماعة الاخوان بتهمة حيازة السلاح " حاسم" ووجهت إليهم تهمة الخيانة العظمى والعمل لصالح أجندة خارجية، وعرضت قياداتهم ، تعترف بالجريمة، على شاشة التلفزيون الرسمي وقد تسببت تلك العملية في خسارة فادحة في حصاد العمل السري والجمعيات والنوادي، وبعد تلك الفترة عرف العمل الاخواني فتورا كبيرا وكرها واسعا في اوساط المجمتع الموريتاني التقليدي، واستمر الحال على تلك الوضعية حتى نهاية التسعينات وظهور الاحتقان في اوساط النخبة السياسية في موريتانيا من نظام ولد الطايع وما تلا ذلك من أحداث دولية ووطنية ، وكان الحدث البارز الذي استفاد منه الاخوان كثيرا هو أحداث الحادي عشر من سبتمر وتدمير القاعد للأبراج التجارية في انيويورك يومها ظهر شباب متعاطف وجريح من تصرفات أمريكا في العالم الاسلامي والعربي، وكان من أبرز الشخصيات التى قادت تلك المرحلة العالمُ الشاب محمد الحسن ولد الددو، حيث اتخذ من المساجد والمناسبات الاجتماعية منبرا لتوصيل خطابه وفتاويه بوجوب الجهاد ضد امريكا واعوانها من الانظمة الدكتاتورية في العالم العربي والاسلامي، وكان له في تلك الفترة برنامج اسبوعي سماه "منبر الخميس"، ينظمه نهاية كل اسبوع بمسجد في حيى "تنسويلم الشعبي بمقاطعة دار النعيم " وقد نجح ولد الددو في استمالة آلاف من الشباب الموريتاني لتبني دعوته واصبح له أنصار يقدرون بعشرات الآلاف وهي الفرصة التى وجدها التيار الاخواني سانحةً للتقرب من ولد الددو والاستفادة من شعبيته الكبيرة وعلاقاته الواسعة مع باقي التيارات الاسلامية في دول الخليج والمشرق العربي، وقد نجح شباب الاخوان في اخضاع ولد الددو لفكرهم السياسي وجعلوا منه قائدا روحيا طالما افتقدوه لمشروعهم السياسي، وقد شكل الانقلاب الفاشل الذي قامت به مجموعة من ضباط الجيش الموريتاني سنة ألفين وثلاثة، فرصة لهروب بعض قيادات التنظيم من السجن بإتجاه بعض الدول العربية والغربية وفي تلك المرحلة تمت إعادة تنظيم الصفوف وكانت تلك المرحلة هي أول ظهور للعالم الشاب محمد الحسن ولد الددو كقائد فعلي لتيار الاخوان في موريتانيا رغم تهربه من هذه الصفة في مناسبات إعلامية عديدة، وكانت مشاركة الاخوان في الانتخابات الرئاسية المنظمة في تلك الفترة قوية وخاضعة للفتوى "الدين سياسية " إن جاز لنا التعبير، وعلى ما اعتقد هي المرة الاولي التى يظهر فيها العلماء في موريتانيا في زاوية التخندق السياسي إذ من المعهود ان يبتعد العلماء عن الخوض في السياسة قدر المستطاع وكان دعم ولد الددو للمرشح محمد خونة ولد هيدالة بمثابة الخروج على رأي خاله العالم الجليل محمد سالم ولد عدود رحمة الله عليه فوجد شباب الاخوان الفرصة سانحة للوقيعة بين ولد الددو وخاله عليه رحمة الله لكن حكمة ولد عدود حالت دون ذلك . الثقافة الموريتانية ترفض إنشغال العلماء بالأدلجة السياسية .. العلماء هم نور الامة وتاجها وأيقونتها الاجتماعية فهم مبجلون محبوبون موقرون من كافة أطياف المجتمع ومكوناته الاثنية على طول البلاد وعرضها، لكن إنشغالهم بالسياسة عن العلم ومحارب التدريس جعل منهم جسورا يعبر عليها المتزلفون السياسيون لتحقيق مآربهم على حساب العلم والثقافة الاجتماعية والاعراف ، ولعل الظواهر الغريبة التى بدأت تطرأ على مجتمعنا مردها خطورة إنشغال العلماء بالقضايا الاديولوجية ولا أدل على ذلك من حادثة ولد الددو الاخيرة ، لقد إلتقيت بالعالم محمد الحسن ولد الددو مرتين إحداهما في مركز تكوين العلماء في مقاطعة عرفات حيث حضرت معه صلاة العصر في مسجده هناك وبعدها الرقية الشريعة التى يحرص ولد الددو على القيام بها وقد حضرتها جموع غفيرة من المواطنين وخصوصا السيدات، والمناسبة الثانية التى التقيته فيها كانت خلال تدشين مصرف متخصص في الصيرفة الاسلامية مملوك لبنك ولد عباس، وفي كلا المرتين لم يتجاوز لقائنا تبادل السلام ، لكني سمعت وقرأت عنه الكثير خاصة ما يتعلق بحياته السياسية ونشاطه الاعلامي والمشاريع المالية المنسوبة إليه ، وهي أمور أعتقد لامحالة أنها ستسهم في كسر ثقافة المجمتع الموريتاني الذي يرفض إنغماس العلماء في الحياة الدنيوية . الاخوان شباب مزهو بالاعلام والمال السياسي .. داخل تنظيم الاخوان توجد ثلاثة كتائب أساسية هي: ـ الكتبية الاعلامية وهي من أبرز الكتائب وأكثرها تحررا وقدرة على توصيل الخطاب الاخواني بطريقة لاتخلو من التطرف في بعض الاحيان وقد برز داخل هذه الكتبية جناحان أساسيان أحدهما يعيش في الخارج ويرتبط بالمجتمع من خلال كتاباته في القضايا الوطنية والدولية ذات الصلة بالمشهد الوطني وقد خرَج هذا التيار بعض المستغربين من امثال محمد المختار الشنقيطي حيث يتحدث هذا الكاتب بشئ من التحرر غير المعهود في القضايا الدينية ويشكك في بعض حدود الله تعالي مثل حد الردة وحد الرجم ، أما الجناح الثاني فهو يعيش في الوطن وأكثر إرتباطا بالقضايا الوطنية رغم أخطبوطية إنتماءاته فتجده منتسب للعديد من الحركات الحقوقية في موريتانيا " لاتلمس جنسيتي ، نجدة العبيد ، حركة إيرا " وغيرها ويعد هذا الجناح بمثابة محركات التيار وأذرعه الاعلامية ، ويميل هذا الجناح الى نقد الرموز الدينية التقليدية، وكذلك العمل على كسر هيبة الدولة ، وهذا الجناح لديه بعض المؤسسات الاعلامية النشطة في هذا الاتجاه ـ الكتيبة المالية لقد نجح التيار في خلق رجال أعمال وتجار لديهم رؤوس أموال كبيرة تم جمعها عن طريق المال السياسي المستقدم أساسا من دول الخليج العربي وبعض الدول الافريقية ، وتتكفل الكتيبة المالية بتمويل نشاطات التيار في الحملات الاعلامية والنشاطات الطلابية في الجامعات والمدارس والنقابات العمالية في مختلف القطاعات وتدفع هذه الكتيبة بسخاء خاصة لطلاب المداس والجامعات . ـ الكتيبة السياسية يقود هذه الكتيبة جناحان رئيسيان هما جناح اليسار الذي يقوده محمد جميل ولد منصور وشيخاني ولد بيبه ويميل هذا الجناح الى الحكمة والتعقل بشئ من "الخبث السياسي" وقد حاول قادة هذا الجناح الوصول الى الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز عن طريق زعيمهم الروحي محمد الحسن ولد الددو حيث قاموا بتوجيه ولد الددو للقيام بوساطة بين الرئيس وبعض رجال الأعمال الذين رفضوا دفع ضرائب مسحقة عليهم للدولة الموريتانية لكن حبل الود سرعان ما انقطع بعد كشف مشروع الاخوان إبان إندلاع الربيع العربي، حيث ركب التيار الاخواني تلك الموجة واهما بإمكانية حدوث ثورة في موريتانيا تقتصر عليهم الطريق نحو السلطة . في مايقود جناح اليمين محمد غلام ولد الحاج الشيخ والسالك ولد سيدي محمود ويعتبر هذا الجناح من أخطر أجنحة الكتائب وأكثرها قفزا وتطاولا على الرموز الدينة والاجتماعية فتجدهم يسبون الناس على الملأ، ويتفنون في قدح العلماء والتشهير بهم عن طريق وسائل الاعلام المرئية والمسوعة والمكتوبة ويحرص هذا الجناح ان يكون حاضرا في كل المناسبات لتوصيل رسائله الخطيرة على الدولة والمجتمع . صراع الكتائب أدى الى ضرب العالم ولد الددو .. خلاصة القراءة في كف ولد لوليد ان الصراع المحتدم بين كتائب الاخوان في النفوذ على ولد الددو هو التفسير الوحيد والمنطقي الذي يمكن أن نخرج به ،وإلا فكيف لرجل كان يوصف بأنه من أخلص المقربين لولد الددو أن ينقلب بهذا الشكل الكبير في خطوة يرفضها العقد الاجتماعي بين العلماء والمجتمع ، أعتقد ان قابل الايام سيكشف المزيد حول حجم الصراع داخل كتائب الاخوان وتفاصيل أخرى حتما ليست في مصلحة موريتانيا . |