محمد سعدن ولد الطالب قبل أيام حط وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الرحال في المغرب والجزائر، ومع زيارة كيري تجدد الحديث القديم المعاد، حول الصداع المغاربي المزمن، قضية الصحراء الغربية، فعلى مدى ثلاثة عقود،ظلت قضية الصحراء عقبة كأداء في وجه كل
المحاولات المستميتة الهادفة إلى خلق فضاء مغاربي متعايش ومتعاون حيث أن هذا المشكل المزمن ظل دائما عرضة للعبة شد حبل بين الجارتين القويتين الجزائر والمغرب،اللذان يعتبران قضية الصحراء قضية استراتيجية لا مساومة عليها في نظر كل منهما، فالمغرب طامح أصلا إلى ابتلاع موريتانيا فما بالك بالأراضي الصحراوية التي يعتبرها إقليما جنوبيا وجزءا لا يتجزأ من المملكة تماما كالدار البيضاء أو مراكش.
أما الجزائر، المنافس القوي للمغرب على زعامة المنطقة،وإن كانت دلفت إلى الموضوع من باب مناصرة الثوار والأحرار،فإنها في الصميم،تعتبر أن الصحراء هي عامل الحسم في المنطقة وأن سيادة المغرب عليها تعني تفرده الكامل بزعامة المنطقة.
ولعل التتبع التاريخي لمسار هذا الصراع المحتدم، سيثبت أن الاستعمار الأسباني-ولسبب ما-لم يشأ الحسم في موضوع الصحراء الغربية وتركها بمثابة القنبلة التي قد تنفجر في أية لحظة فتحرق الجميع.
وهكذا، ومنذ مطلع الستينات بدأت القلاقل والمشاكل حول السيادة على الصحراء التي كانت محط أطماع الجميع،فبالإضافة إلى المغرب،فإن موريتانيا أيضا كانت لها أطماعها متكأة على مجموعة من الاعتبارات التاريخية والجغرافية لتبرير ذالك الطمع، فمن ناحية هناك الجانب العرقي،حيث ينتمي الصحراوين إلى نفس القبائل الموريتانية ويشتركون في نفس اللهجة (الحسانية) ويلبسون نفس الزي (الملحفة،الدراعة)،وكذا يشتركون في نفس العادات والتقاليد الاجتماعية،ومن ناحية أخرى فثمة تداخل جغرافي عصي على التمايز بين الأراضي الموريتانية والأقاليم الصحراوية، وهكذا دخلت جبهة البوليزاريو التي تشكلت في الستينات كحركة سياسية مسلحة للدفاع عن الصحراء،دخلت في حرب مفتوحة على جبهتين،مع المغرب الرافض أصلا للمساومة، ومع موريتانيا التي لم تفلح الدبلوماسية الجزائرية في إقناعها بنفض يديها من الموضوع.
حاول الرئيس الجزائري حينها وبشتى الطرق أن يقنع الرئيس الموريتاني ولد داداه، بأن قضية الصحراء أكبر من مستوى بلده لأنها لعبة مصالح بين جارين قويين،وبأنه من الأجدى لموريتاني التركيز على التنمية والتطوير الذاتي بدل الخوض في مغامرات غير محسوبة العواقب.
وفعلا أوشكت الدبلوماسية الجزائرية أن تفلح بعد زيارة ولد داداه التاريخية للجزائر،ولكن ما حدث بعد ذالك كان مفاجأة للجميع فقد غيرت موريتانيا رأيها مائة وثمانين درجة وصممت على الدخول في حرب على الصحراويين،وفعلا اندلعت شرارة الحرب في سنة خمسة وسبعين،مكلفة موريتانيا المنهكة أصلا خسائر مادية وبشرية كبيرة،حينما شن الصحراويين حرب عصابات خطيرة ووصلت نيران مدافعهم إلى عقر العاصمة نواكشوط.
وعلى الجهة الأخرى،واصل المغرب هجومه المستميت وبسط نفوذه على إقليم الساقية الحمراء وعقد اتفاقية مع موريتانيا تقضي بسيطرته على منطقة (لكويره) الحدودية. وفي العام 79وصل الجيش إلى السلطة في موريتانيا وكانت أول خطواته هي إعلان وقف الحرب والاعتراف بالجمهورية الصحراوية.
أصبحت تيندوف الجزائرية،بمثابة عاصمة لجبهة البوليزاريو، وظلت الجزائر تدافع -وباستماتة -فيما تعتبره حق الصحراء في الحرية والاستقلال.
في نهاية السبعينات هدأت أصوات المدافع وبدأت لغة الحوار،حيث دخل الطرفان في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة،غير أن أي حل فعلي للمشكلة لم يلح في الأفق،وكان وجود قوات حفظ السلام الأممية التابعة للأمم المتحدة عاملا مساعدا في تهدأة الأمور وضبط وقف إطلاق النار بين الجانبين،ولم تكتفي الأمم المتحدة بهذا الدعم اللوجستي،بل دخلت على خط الدبلوماسية،وقدمت عدة مقترحات عملية للخروج من دوامة الأزمة،لعل أبرزها مخطط بيكر القاضي بإجراء استفتاء، ولكن الخلاف حول حيثيات إجراء الاستفتاء،مثل من يحق له التصويت وغير ذالك حال دون إجرائه حتى الآن. وإلى جانب الاستفتاء،هناك حل التقسيم،الذي ترفضه المغرب بشدة وتعتبره حيلة جزائرية للالتفاف على الموضوع من أجل الحصول على منفذ على الأطلسي.
وهكذا عجزت الدبلوماسية،كما عجزت الحرب عن تقديم حل لهذا المشكل الذي يطبق على حلم اتحاد المغرب العربي،وحتى الآن،وبعد مرور نحو عقدين على قيام هذا الاتحاد، لم يستطع المغاربيون،قطع أية خطوة على طريق التوحد الفعلي أو إقامة المشاريع المشتركة،فقد ظل موضوع الصحراء يلقي بظلاله القاتمة على كل محاولة تجري في هذا الاتجاه.
إنه مما لاشك فيه أنه أمام المغرب العربي فرصة حقيقية للاستفادة من تجربة الفضاء الأوربي المجاور، وخلق شراكة أورو-متوسطية حقيقية،ولكن ذالك لن يتم ما لم تتغلب الدول المغاربية على حساسيات الماضي ومن أهمها قضية الصحراء، التي بدون حلها،ستظل كل محاولات التوحد مجرد لعبة سيزيفية عابثة.
*كاتب وإعلامي موريتاني
نقلا عن راي اليوم
|