فقه الحالة الـ(مـ)ـدنية/ بقلم: محمدُّ سالم ابن جدُّ |
الاثنين, 31 مارس 2014 19:41 |
من المزايا النادرة في الفقهاء القدرة على التفريق بين المتشابهات وإعطاء كل منها حكمه المناسب في مجالي الفتوى والقضاء. ورغم أن العاملين في مراكز الحالة المدنية (الوكالة الوطنية –إن شاء الله- لسجل السكان والوثائق المؤمنة) لم يشتهروا بالتبحر في الفقه فقد شهدتُ صباح اليوم منهم الواقعة التالية: توجهت أم زينب بزينب (14 عاما) وشقيقتها سكينه (4 سنوات) إلى مركز الحالة المدنية (أظن الميم خطأ مطبعيا) لتسجيلهما بعد تأخر ارتكبته الحالة المدنية في حق كل منهما تمثل في عدم إدخال بيانات الكبرى في الحاسوب ومن ثم ضياعها، وفي إضاعة شهادة زواج يتوقف إحصاء الصغرى عليها رغم أنها أُنجِزت في الوقت المناسب، ورغم حرصي على استكمال الأوراق المدنية –بما في ذلك الجنسية- بعيد ولادة الطفل (تحسبا للرحيل) ولكن لا ينجي حذر من قدر.
لذا وجدتي مرغما على استصدار حكم قضائي بثبوت ميلاد الأولى، وشهادة زواج أصلية بعد دهر من داعيها، وسلمت الأوراق مكتملة للأم وتوجهت إلى العمل وتوجه الثلاث إلى مركز "التقييد" بتفرغ زينه وظننت الأمر انتهى.
ومن هناك أشعرنني عبر الهاتف بأن الإحصاء يتوقف على حضوري وتوقيعي، وأنا المشغول بما يزيد على الكفاية، والمبغض لزيارة المكاتب العمومية؛ خصوصا وأن السمة الغالبة عليها إنجاز مهمة البذيء بسرعة وتجاهل موطأ الأكناف، في رسالة ضمنية إلى الحلماء أن كونوا سفهاء أو لا تزورونا، لذا اخترت عدم الزيارة حرصا على ما لدي من بقية أخلاق هي إلى الزيادة أحوج منها إلى النقصان.
بيد أن الفأس كان قد وقع في الرأس، فلم أجد بدا من المسارعة إلى حيث التقت رائحة الشواء بروائح الصرف الصحي وماء الأخير بما جاد به غاسلو السيارات والفرُش.. وتليقه "غضا نديا" من أفواه البواليع ومن عجلات السيارات ونعال المارة.. فمرة أخرى لم ينج حذر من قدر.
بعد استكمال الإجراءات توجهنا إلى حيث التصوير والتوقيع وأخذ البصمات العشر، وبعد لأي جاء دورنا رغم قربنا العددي (11، 12) وفي نهاية إجراءات في غاية البطء والتعثر والتلعثم انتهت المهمة فانصرفت الأم وابنتاها ومكثت أنا بانتظار "النتيجة" التي تجسدت في إعطائي وصلين أعود بهما "غدا" لاستلام ورقتيْ الإحصاء.
وفي انتظار الوصلين دخلت سيدة مصحوبة بطفل محظوظ فلم تُسأل عن أبيه وإنما وقعت هي نفسها على استمارة الإحصاء وعلى "الشريحة" الممغنطة، وانتهى أمرها وأمر طفلها قبل أن أبرح مكاني.
لم أجد تفسيرا لهذا إلا إذا كان الانتماء الاجتماعي محسوبا على صاحبه؛ وتلك مشكلة تصعب النجاة منها لأنها ليست من فعل صاحبها.
|