الطوارق مجددا.. |
الجمعة, 23 مايو 2014 18:17 |
لا أحد يعرف على وجه الدقة من يقاتل من في مالي إلا أصحاب الشأن أنفسهم. السلطات المالية تقول إنها تشن حربها ضد إرهابيين، وهو أمر منطقي بالنسبة لها وللمتابعين الذين يعرفون أن فرنسا أيضا موجودة هنالك لدحر كتائب الإسلاميين الذين سيطروا على شمالي البلاد قبل عامين. ولإلقاء الضوء عن قرب، فإن الأحداث الأخيرة التي اندلعت في مدينة كيدال شمالي البلاد، وهي أكبر مدينة للطوارق، عادت بسبب رفض الطوارق، الذين تمثلهم الحركة الوطنية لتحرير أزواد، لتواجد الحكومة المالية أو جيشها في مدينتهم، الذي لا يراه الطوارق إلا نوعا من الاحتلال لمدينتهم التي طالما دعوا لاستقلالها، هي ومدن الشمال، عن مالي، أو بمنحها حكما ذاتيا في أسوأ الحالات. السلطات المالية، التي فشلت في إيجاد أي وسائل للحوار مع الطوارق، تصر على تسمية الجميع بإرهابيين في وسائل إعلامها، بما في ذلك الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي تمثل الطوارق، التي لا تزال في حرب مع الإسلاميين، وتمضي مالي في ذلك منذ أكثر من عشر سنوات لعدم معرفة العالم بخارطة الحركات المسلحة في الصحراء. أما الحكومة الجديدة المنتخبة التي قد يتساءل العالم عن رفض الطوارق لها، فإن الطوارق لا يرون فيها أية نزاهة أو مصداقية، ربما بسبب الرئيس المالي الجديد إبراهيم أبوبكر كيتا، الذي كان رئيسا للوزراء قبل عشرين عاما إبان المجازر الدموية التي قام بها الجيش المالي ضد الطوارق أعوام 1992 إلى 1994 في عهده، التي أبيد فيها المئات وهُجر فيها الآلاف. إذ لا يعتبر الطوارق كيتا غير “مجرم حرب” يجب تقديمه للمحاكمة. بيد أن الحكومة المالية بدورها لا ترى في الطوارق أي روح وطنية، وتصر أنهم جسم يرفض الواقع والاندماج في دولة مدنية حديثة، وأنهم سبب في إدخال الإرهاب إلى المنطقة. التهم التي يرفضها الطوارق الذين لا يرون في الحكومات المالية المتعاقبة غير استغلالهم لجلب مساعدات دولية باسمهم، بزعم تطوير مناطقهم المهلة منذ الاستقلال عن فرنسا مطلع الستينيات. الأحداث الأخيرة التي أسفرت عن طرد ممثلي الحكومة المالية من كيدال، وتلتها اشتباكات مسلحة عنيفة انتهت بطرد عناصر الجيش المالي من كيدال ومدن أخرى، لم تكن سوى ردة فعل الطوارق بعد عزم رئيس الوزراء المالي زيارة مدينة كيدال التي رفضت استقباله، باعتباره ممثلا لسلطات باماكو غير المرغوب فيها، حيث ترى الحركة الوطنية لتحرير أزواد أنها المسؤول الأول عن كيدال ومناطق الشمال، لا الحكومة المالية التي كانوا في حرب معها ويرفضون الجلوس معها ليقينهم أنها لن تلتفت إلى تنمية مناطقهم وترفض الاستجابة لمطلبهم الأول في ممارسة حقوقهم في السيادة على أقاليمهم. وحسب تسريبات في الأوساط الفرنسية، فإن فرنسا أحجمت عن مساعدة الطوارق في نيل أي استقلال أو حكم ذاتي بعد الأحداث الأخيرة قبل عامين حينما أعلنوا استقلالهم وإنشاء ما أسموه “دولة أزواد”، باعتبارهم بدوا ليسوا مؤهلين لحكم مناطقهم، وأنهم بعد نشوء حركات متطرفة ليسوا بعيدين عن أن يتحولوا إلى طالبان أخرى، خاصة أن أكبر مناضلي الطوارق عبر العقود الماضية إياد أغ غالي، تحول إلى جهادي إسلامي وتزعم أكبر حركة مسلحة، احتلت عدة مناطق في الشمال قبل دحر الفرنسيين لها. لكن فرنسا رغم ذلك تصر على أن الحوار هو الحل الوحيد في المنطقة. فيما يرى الطوارق أنها حليف صرف لمالي، وأن ما حذروا منه بداية قبل عقود قد تحقق بعد أن تحولت المنطقة إلى بؤرة إرهابية بسبب انعدام أي تنمية فيها. ويعتبرون أن فرنسا وحلفاءها يدفعون أموالا طائلة لاجتثاث الإرهاب، لو أنهم دفعوا نصفها في التنمية والسلم منذ الاستقلال.. لما حدث ما يحدث الآن. عمر الأنصاري* *صحفي ومساعد رئيس التحرير للوسائط المتعددة في سكاي نيوز عربية. |