المغرب: الحكومة والإعلام |
الأربعاء, 04 يونيو 2014 17:27 |
في المغرب يسمون “معركة التلفزيون”٬ تلك المواجهة العلنية بين رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران ومسؤولية الأخبار في “القناة الثانية” الرسمية. لكنها أقرب إلى شجرة تحاول إخفاء الغابة. ولا يزال الجدال حول فرض الصوت الأعلى من خلال مخاطبة الجمهور عبر وسائل الاتصال العامة قائماً٬ فيما نتائج استطلاعات الرأي تشير إلى تدني نسبة مشاهدة القنوات الرسمية وتراجع تأثيرها إلى مستويات أقل. رئيس الحكومة له مبرراته في تكييف اتهاماته شبه الجاهزة إلى إدارة الإعلام الرسمي إلى درجة أنه صور مسؤوليها إلى جانب من يصفهم بـ “لوبيات التماسيح والعفاريت” التي تناهض خطته الإصلاحية. وكبار موظفي سلطة الإعلام لهم أيضاً قناعات٬ لجهة عدم تبعية القطاع لسياسة الحكومة والتزامه الاستقلال والمهنية. وإن كانت شكوك كبيرة تحوم حول هذه المصطلحات التي أفرغت من مضمونها. ما يعني أن خلفيات الصراع ذات أبعاد سياسية٬ من جهة لأن البلاد على موعد مع استحقاقات انتخابية تفرض حياد وسائل إعلام الرسمية واتخاذها مسافات واحدة إزاء كل الفرقاء. ومن جهة أخرى لأن الوازع الأخلاقي يؤثر في استمالة المناصرين. ليس صدفة أنه في غضون استمرار التلاسن بين رئيس الحكومة ومسؤولي الأخبار٬ بدأت حرب عرائض من نوع آخر تدور رحاها بين وزير الاتصال مصطفى الخلفي القيادي في “العدالة والتنمية” الإسلامي ومثقفين وإعلاميين وفنانين٬ اتخذت من مفهوم الهيمنة الأخلاقية شعاراً له. المعركة مفتوحة والإعلام ليس أكثر من ورقة تكشف مدى التناقض الذي يطبع الرؤى حيال قضايا فكرية وسياسية تتعلق بهوية المجتمع الذي يرغب كل طرف في رؤية معالمه. وتلوح الحكومة أنها بصدد إقرار قانون جديد للصحافة يحظر العقوبات السالبة للحرية في حق الصحافيين٬ فيما يتواصل الجدال في شأن شروط التعاقد بين السلطة التنفيذية والإعلام الرسمي. ولم يجد وزير الإعلام مصطفى الخلفي من سبيل لإقناع الرأي العام بجدوى معركة رئيس الحكومة وبعض الصحافة التي تنتقد حكومته بشدة٬ غير إدراج تصريحاته ضمن حرية التعبير عن الرأي. وطالما أن الناس أحرار٬ لا بأس من اندلاع مواجهة حاسمة بين رئيس الحكومة ومسؤولي الإعلام. ومع أن خاصية التحفظ تفرض على الموظفين عدم التطاول أو الانسحاب تحت ذريعة “عقدة الضمير” التي يسري مفعولها في حالات مماثلة. ليست المرة الأولى التي تندلع فيها أزمات المسألة الإعلامية في المغرب. وبسبب ارتباطها بمرجعيات سياسية٬ فقد قفزت الصحافة إلى الواجهة تمارس دوراً أكبر من نفوذ المعارضة. ولم تتقبل السلطة التنفيذية هذا الامتداد٬ لأن بعض مكوناتها٬ بخاصة التيار الإسلامي يرى أن العملية ذات خلفيات أكبر من حدود الممارسات الإعلامية. غير أنه في الوقت الذي يعيب على بعض الإعلام ما يراه إقصاء أو خرقاً لتوصيف الحياد٬ انبرى بن كيران من موقعه كزعيم “العدالة والتنمية” إلى طلب تعليق حزب “الأصالة والمعاصرة” ثم استدرك أن رسالته موجهة إلى الحزب٬ كي يحل نفسه بنفسه٬ وليس دعوة رسمية٬ طالما أن الدستور البلاد يرهن تعليق الأحزاب بصدور أحكام قضائية. بين السياسة والإعلام والقضاء تداخل إلى حد التشابك. فالصحافة المتحررة من قيود الرقابة وملابسات التدجين التي لها آليات مؤثرة٬ وحدها تضمن الإشعاع الديموقراطي٬ وهي تمارس الرقابة على السلطة التنفيذية وغيرها من المؤسسات تصنع الهامش الذي يغيب عن العمل السياسي٬ جراء تأثير التحالفات الحزبية القابلة للتغيير. ولم تطرح المسألة الإعلامية كترف فكري٬ بل في سياق حراك يهز قلاع المجتمع٬ بخاصة في ضوء ملامسة المحظورات. غير أن التعاطي والظاهرة الإعلامية التي فاقت فورة الكشف عن تشوهات الحياة العامة٬ لا يزال أسير عقلية محافظة. وأكثر ما يخشاه الفاعلون السياسيون والاقتصاديون والاجتماعيون أن تسبقهم هذه الفورة إلى إلغاء الحدود القائمة بين ما هو ممكن وما هو شبه مستحيل. أقله على صعيد مكاشفة الواقع الذي ليس لونه أبيض ناصعاً أو أسود قاتماً٬ ولكن رماديته تشجع على التطلع نحو الأفضل. بعض الممارسات الإعلامية في المغرب بكل نواقصها وعيوبها أقرت القطيعة مع الصورة الوردية التي كانت تسوق على نطاق واسع. وهي إن كانت تشدد في انتقاداتها أداء الحكومة وغيرها٬ فإن ذلك لا يعني أنها طرف في معادلة الصراع الحزبي٬ ولكنها رافد محوري في إشاعة الممارسات الديموقراطية وتحتاج البلاد إلى سعة الصدر للتعايش مع هذه الفورة٬ لكن ليس على حساب الاحترام والتزام الحياد والموضوعية. وكما وصلت رسائل رئيس الحكومة التي بعثها عبر صندوق البريد الإعلامي٬ يكون مجبراً على قراءة رسائل أخرى. وأفضل أن يتخاطب الناس بالرسائل من أن يحملوا السيوف التي تنحر الأعناق. محمد الأشهب
* نقلا عن “الحياة” اللندنية |