الانتخابات الاسرائيلية والانتخابات العربية أيهما أفضل ؟ |
الخميس, 12 يونيو 2014 11:25 |
انغير بوبكر* تشهد الساحة الشرق أوسطية هذه الأيام انتخابات رئاسية في عدد مهم من دولها ففي سوريا التي يبحث رئيسها الفاقد للشرعية عن كل الوسائل لاستعادة هذه الشرعية بعدما تلطخت يداه بل الأصح توغل في الدم السوري بدأ يبحث عن شرعية مستحيلة عبر تنظيم انتخابات مزيفة ويعرف القاصي والداني في العالم إنها مفبركة ومحسومة سلفا ما دام الشعب السوري نفض يديه من نظام بشار الأسد الدموي وقاطع الانتخابات كما قاطع من قبل جميع اللقاءات السياسية التي دعا إليها النظام والتي تهدف جميعها إلى التغطية على جرائم بشار الأسد الذي أصبح مكانه الطبيعي هو محكمة الجنايات الدولية وليس كرسي الرئاسة. المفكر السوري برهان غليون سمى الانتخابات السورية بانتخابات تحت الطلب وأنها لن تغير من قناعة السوريين بأن هذه الانتخابات الكاريكاتورية لن تضيف شيئا للنظام ولن تعدل من صورته وسيبقى في نظر السوريين نظاما مجرما قاتلا لشعبه, المجتمع الدولي بتلكؤه وتفرجه على الأزمة السورية يشارك في المؤامرة الكبرى ضد الشعب السوري الذي ذاق مرارة الخذلان الدولي أمام الأسلحة الكيماوية وأمام البراميل المتفجرة التي تستهدفه يوميا من طيران النظام هناك في الغرب اليوم من يبرر تراجع المجتمع الدولي بالخوف من البديل القادم ولكن الأيام المقبلة ستعطينا نتائج سيئة على الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم وستؤثر نتائجه الدراماتيكية على كل حسابات اللاعبين السياسيين في العالم ، الشعب السوري لن يغفر للعالم صمته وفشله في تسليح المعارضة السورية ووقوفه مكتوف الأيدي أمام مأساة الشعب السوري، سوريا ستكون محتلة من إيران وبنتها الشرعية داعش ولبنان محتلة من حزب الله الذي يتحكم في مفاصل السياسة اللبنانية والعراق سيبقى رهينة لدى المخابرات الإيرانية وفصائلها العراقية المقنعة داخليا وبعد ذلك سيكون المجتمع الدولي أمام حالة جيواسترتيجية خطيرة حيث ستكون القارة الآسيوية مرتعا للإرهاب والتطرف وانتهاكات حقوق الانسان بعد نشوء وتطور الحلف الروسي الإيراني الصيني الذي يستهدف بالدرجة الأولى وقف انحصار المد التحرري والتقدمي الذي بدأت تمثل قيمه اليسار الأوروبي الصاعد وبعض الفعاليات العالمثالثية التي بدأت في طرح بعض البدائل الاقتصادية والسياسية في العالم الثالث لكن ما تزال أصواتها خافتة وغير مؤثرة، لكن الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف ببلدان العالم الثالث ستخرج الشعوب من قمقمها ومن عدميتها وستجبر النخب السياسية على البحث عن بدائل مختلفة وقد تنحو نحو التطرف والعنفية في البدايات الأولى في غياب جاهزية البديل والحامل التغيري الذي يجب أن ينتقد المنظومة الرأسمالية المتوحشة والمنظومة الستالينية الجديدة التي يجسدها التحالف الثلاثي الآسيوي الجديد. وأجدني متفقا هذه المرة مع الأمريكان ومع وزير الخارجية جون كيري تحديدا الذي علق على الانتخابات السورية بأنها صفر كبير وأنها ألاعيب أطفال صغار . شهدت مصر بدورها انتخابات رئاسية نعرف منذ بدايتها نهايتها نعرف أن المشير السيسي انقلب على مرسي بدعم دولي وعربي من أجل الرئاسة ومن أجل أعين مماليك الخليج العربي ومن أجل تحييد مصر على الأقل في الصراعات الدولية وتكسير شوكة ثورة الشباب التي لا يعرف مداها وليست مضبوطة سلفا كما هي معظم التحركات السياسية في بلدان العالم الثالث ومن الخطورة بمكان على الأنظمة العربية الرجعية أن تترك الشباب يقرر في مصيره ويخطط لمستقبله بكل استقلالية وحرية ومسؤولية، هذه هي الخطوط الحمراء لدى أنظمتنا الرجعية ورعاتها الدوليين وليس استعمال الأسلحة الكيماوية ضد الشعوب كما هي تعريف الخطوط الحمر لدى الرئيس أوباما قبل أن تتغير هي الأخرى خطوطه الحمر ، الكاتب والوزير المغربي محمد الأشعري أحسن التعبير والوصف في مقال له في إحدى اليوميات المغربية عندما وصف الانتخابات المصرية بأنها حزينة وأن مصر ستبدأ من جديد اعتناق عقيدة المهدي المنتظر الجديد الذي يملأ الأرض جورا بعدما تنفست بعد ثورة 25 يونيو وظن الجميع أن مصر قد تدشن أولى عهودها النهضوية منذ إفشال ثورة محمد علي، المحزن في الانتخابات المصرية هو الطريقة الهزلية التي فاز بها السيسي حيث أنها أهانت التيار الليبرالي والناصري والسلفي الذين اثبتوا مرة أخرى انتصارهم وانحيازهم الفاضح للاستبداد والحكم الفردي وخانوا الأفكار الليبرالية والتحررية والإسلامية التي سودوا بها أوراق مرجعياتهم التي لم تكن في حقيقة الأمر سوى تغطية على الاستبداد والقهر والوجه الآخر للعسكر، أحيانا تراودني في لحظات الوهن الفكري والقلق المعرفي شكوك في أن الاستبداد ليس طارئا على السياسة العربية بل هو وراثي وجيني أي أن هناك شفرة وراثية تسمى الاستبداد عالقة بالعقل السياسي العربي ولكن لأن هذا القول سبقني إليه عدد كبير من كبار المستشرقين الذي اعتبروا الإنسان العربي لا يصلح للديموقراطية بل يعاديها وتعرض هؤلاء المستشرقون لدحض علمي لأفكارهم ونقد لأطروحاتهم ولأنني بدوري أعتبر جميع الأمم والشعوب قادرة على احتضان الديموقراطية والحرية فقط يجب عليها التخلص من مسببات الاستبداد بجميع تجلياته ومستوياته وأمكنته ورغم ذلك فإن استمرار تعثر الانتقال الديموقراطي ببلداننا يطرح تساؤلات كبرى ويسائل نخبنا الفكرية والسياسية التي طبّعت مع الاستبداد والتطرف وتحالفت مع الأنظمة السياسية القائمة ضد تقدم وعي شعوبها، فالتيارات السلفية والليبرالية على سبيل المثال باعت شعوبنا في سوق النخاسة السياسية والنموذجين المصري والتونسي واضحين . في لبنان عجز مجلس النواب اللبناني في اختيار رئيس جديد للجمهورية خلفا لميشيل سليمان الذي استطاع أن يحفظ بعض الاستقلالية للبنان على الصعيد الدولي ويسحب بلاده من سيطرة الملالي في إيران لذلك حاربوه وشنوا عليه حملات مغرضة ورفضوا التمديد له كما فعل نظام غازي كنعان وماهر الأسد في لبنان عندما فرضوا بقوة الاغتيالات والسجون التمديد للرئيس اميل لحود وكان ذلك سببا مباشرا لاغتيال الحريري الذي كان قيد حياته معارضا للتمديد ومطالبا ولو باحتشام جلاء القوات السورية من لبنان، لبنان عاش وسيعيش في المستقبل حالة سياسية محتقنة بسبب تكالب القوى الدولية للنيل من استقلال قراره الداخلي والمخابرات الإيرانية أصبحت متغلغلة في النسيج السياسي اللبناني وهي التي اغتالت الحريري بتنسيق مع المخابرات السورية والدليل على ذلك ما صرح به نائب رئيس الجمهورية السابق عبد الحليم خدام لجريدة الشرق الأوسط في يونيو الحالي من أن لديه معلومات مؤكدة على أن بشار الأسد هو الذي خطط ونفذ عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وهذا الأمر أكده كذلك المحقق الدولي ديتليف ميليس في تقريره الأول الذي لمح إلى ذلك وبالفعل فالمحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الحريري ما تزال تنتظر العديد من أفراد مليشيا حزب الله المطلوبين للعدالة الدولية, وسبب عجز اللبنانيين عن اختيار رئيسهم هو استمرار حزب الله وأزلام إيران وبشار الأسد في لبنان في الضغط على المعادلة السياسية اللبنانية من اجل اختيار رئيس من 8 آذار وعلى الأرجح ميشيل عون وذلك لكي لا يحيد الرئيس المقبل عن الأجندة الإيرانية في المنطقة ولكي لا يتم سحب سلاح حزب الله غير الشرعي وضم مقاتليه للجيش اللبناني . اسرائيل ستعرف خلال شهر يونيو 2014م انتخابات رئاسية جديدة وهي رقم 20 لدولة تأسست سنة 1948 فيما مصر وسوريا لا تتعدى فيها الانتخابات الرئاسية رقم 6 أو 7 وهي الدول العريقة في التاريخ والقدم ,العجيب الغريب أن اسرائيل التي تحيط بها من كل صوب وحدب مخاطر ويتربص بها الأعداء تسهر على احترام النظام الديموقراطي التعددي فلا تتذرع لا بالمؤمرات الداخلية والخارجية من اجل تعطيل المسلسل الانتخابي لديها كما يقع عندنا عند أول مشكل بسيط في البلدان العربية يفتح الباب على مصراعيه امام القهر والظلم والحكرة وقوانين الطوارئ ، الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريس طلب من الكنيست الاسرائيلي في فبراير الماضي إعفاءه من الرئاسة رغم أنها في اسرائيل فخرية فقط حيث الصلاحيات تبقى لرئيس الوزراء. هل سمعتم من قبل عن رئيس عربي اعتذر عن الرئاسة ؟ ابدا ابدا ، أعضاء الكنيست الاسرائيلي مطالبون باختيار رئيس جديد لا نعرف اسمه ولن نعرف اسمه بالتأكيد إلا بعد التصويت الحر والنزيه والشفاف والذي لن يطعن في شرعية انتخابه اي نائب في الكنيست ، شيمعون بريس لم يرشح لخلافته ابنه أو أقاربه ولم يغير الدستور الاسرائيلي من أجل التمديد له رغم أن القانون الاسرائيلي يعطيه إمكانية التمديد لسبع سنوات اخرى، في سوريا غير الدستور ليتوافق مع سن بشار الاسد وصوت عليه في نصف ساعة وأعطي بشار الأسد مقاليد السلطة المطلقة في سوريا, في مصر انقلب العسكر على مرسي المنتخب بانتخابات الاكثر نزاهة وشفافية في تاريخ مصر و في اسرائيل تناوب ديموقراطي حقيقي ، في اسرائيل فعل سياسي ديموقراطي يعجز العرب الوصول اليه رغم تاريخهم المديد الحافل بالجرائم والانقلابات والصرعات على الحكم من انقلاب سقيفة بني سعد الى انقلاب ميدان التحرير، لقد انكشقت الاقنعة اليوم وبدأت الحقائق تنجلي منها، إن الصراع العربي مع اسرائيل هو صراع يخفي عجزا عن مجاراة ديموقراطيتها العتيدة أكثر مما هو صراع من أجل الأرض والسلام والقيم الإنسانية، في اسرائيل تحكم محكمة اسرائيلية بقضاة اسرائيليين على رئيس وزراء اسرائيل السابق يهود اولمرت وحكم عليه بست سنوات سجنا في بلداننا لا نحاكم رؤسائنا ولا نجرؤ على الكلام عنهم ولا امامهم فكيف نستطيع الانتصار على اسرائيل بشعوب مهزومة مضطهدة جبانة منافقة؟ واجدني متفقا مع الكاتب عبده حقي عندما عنون احد مقالته المنشورة في الجرائد المغربية بأنه في بلداننا يجب اسقاط النفاق قبل اسقاط الاستبداد ومن الافضل وبل والضروري اسقاطهما جميعا . *باحث في العلاقات الدولية [email protected] |