بدائل “الربيع العربي”!!
الجمعة, 13 يونيو 2014 02:16

  wafa-sandy-new.jp0وفاء صندي  بعد ان فشل الاتجاه السني الذي كان يمثله الإخوان كنموذج سياسي حاكم لمنطقة الشرق الأوسط الجديدة، وفقا لقواعد التغيير بالمفهوم الدولي الجديد الذي ترأسه امريكا بفرض دمقرطة العالم العربي

بالقوة الناعمة أو بمعنى أدق اعادة رسم خارطة المنطقة، وبعد ان فشل هذا المخطط كان من الضروري البحث عن بديل.. بعد ان جفت منابع التمويل للتيارات الاسلامية وخاصة للإخوان المسلمين من دول الخليج، وعلى رأسهم السعودية، لأكتشافهم المبكر لخطط الإخوان غير المواتية لمصالح أمن الخليج، فقد تخلى الخليج عن دعمه السياسي وتمويله المالي للجماعة، ومن هنا سقط الاخوان فريسة الفلس السياسي والاقتصادي مما سرّع وتيرة سقوطهم المجتمعي واسقاط دولتهم.

وبنظرة صغيرة نحو الاعلام العربي المؤثر (الذي تسيطر عليه السعودية امتلاكا او شراكة) والذي تم استخدامه في عمل الثورة المضادة بابتكار معنى “الوطنية” مقابل مفاهيم “أخونة” الربيع العربي، باعتبار ما تم ترديده بأنه ربيع اخواني او اسلامي، فقد أنكشف غطاء الاخوان بعد ان تخلت السعودية والامارات ودول الخليج عن دعمهم، عدا قطر التي اكتشفت مؤخرا انها في ورطة سوف تأتي على قطر نفسها برياح عكسية وسلبية في الايام المقبلة.

وبالتالي بعد فقدان الدعم والتمويل والظهير الخليجي، فضلا عن حرق ورقة قطر وفشل الطموح التركي، فكان لابد من ظهور البديل.. وبعد العجز الواضح في ادارة الحكومات الأصولية منتمية الفكر والعقيدة للإخوان في كل من مصر وتونس والمغرب وليبيا واليمن، فضلا عن عجزهم في سوريا، سقط الغطاء الدولي بل سقط الغطاء الانساني من على جسد الاصولية وانكشف امرهم بأنهم غير مؤهلين ولا خبرة لهم ولا دراية كاملة على الصعيد السياسي بادارة الحكم، فضلا عن الرفض الشعبي لهم، الامر الذي جعل قواعد اللعبة الدولية تصاب بخلل، فكان ضرويا البحث عن البديل… فكانت حركة الدولة الاسلامية في العراق والشام او ما يعرف بـ “داعش” هي البديل.. وهي التنظيم الارهابي المسلح، بل من اكثر التنظيمات الارهابية تطرفا وعنفا ودموية، الذي يتبنى الفكر السلفي الجهادي، ويهدف الى اعادة الخلافة الاسلامية وتطبيق الشريعة، واغلب قادتها سبق ان قاتلوا في العراق والشيشان وافغانستان وعلى جبهات اخرى، ضمن تنظيم القاعدة، صار معروفا من خلقها ومن كان يقوم بتمويلها ولأجل أي اغراض. كانت بداية هذا التنظيم في العراق 2006 تحت اسم الدولة الاسلامية في العراق، إثر اجتماع مجموعة من الفصائل المسلحة ضمن معاهدة حلف المطيبين وتم اختيار “أبو عمر البغدادي” زعيما لها، لكنها سرعان ما سقطت سنة 2007 من طرف مجالس الصحوات العشائرية وبالتحديد صحوات الانبار التي طردتها من الانبار، لكن استهداف المالكي للصحوات والقضاء عليها عام 2009 ونهج سياسات في التمييز الطائفي أعطى لعناصر الدولة فرصة كبيرة في العودة وإحياء دولتهم، مستغلين بذلك التخبط في الأجندة الأمنية الحكومية العراقية، وتغيرها من استثمار الصحوات إلى استهدافها !،

مما اعطى فرصة للقيام بعمليات كبيرة منذ شتنبر 2009 حتى أبريل 2010 ليصبح العراق اكثر دولة مستهدفة ارهابيا في العالم. وبعد مقتل زعيمها ابو عمر البغدادي في 2010، تولى خلافته أبو بكر البغدادي، حيث شهد عهد هذا الاخير انتعاشا وتوسعا في عمليات هذا التنظيم، وبعد الحرب الداخلية في سوريا وتشكيل جبهة النصرة التي اصبحت ابرز قوة مقاتلة فيها، تم الاعلان في سنة 2013 بأن جبهة النصرة هي امتداد لدولة العراق الإسلامية لتصبح الدولة الإسلامية في العراق والشام، لكن الجبهة رفضت الالتحاق بهذا الكيان الجديد، بحيث ينشط كل من التنظيمين بشكل منفصل في سوريا. ولكن لم تحقق داعش من تواجدها في سوريا (المنهارة اساسا) أي انجاز سياسي او عسكري حاسم، عدا خوضها مذابح بشعة ضد مدنيين ومقاتلين تابعين لبعض مجموعات المعارضة المسلحة، سعيا إلى السيطرة على المناطق التى تم تحريرها من نظام الأسد وقواته، فدمشق لم تسقط بعد، وبشار اعيد انتخابه رئيسا لسوريا.

اما في مصر وتحديدا في سيناء التي اعتبرتها داعش جزءا من بلاد الشام وأنها نواة الدولة الإسلامية، فقد سقط مخطط السيطرة عليها بسقوط نظام الاخوان في مصر وعودة تطويق سيناء امنيا وعسكريا. اما ليبيا (المفتتة) والتي اعلن رسميا تواجد كتائب داعش فيها عبر لواء البتار الذي أعلن مبايعته لـ”أبو بكر البغدادي”، الا ان ظهور اللواء خليفة حفتر وقيادته لما يطلق عليه “عملية الكرامة” لـ”تطهير” ليبيا من الميليشيات الإسلامية، قد افسد على داعش مخططها أيضا في ليبيا.

وبعد هزائمها في سوريا وفشلها في تحقيق مخططاتها في ليبيا، داعش تنتصر في العراق، حيث فوجئ العالم في ليلة واحدة بسقوط اكثر من مدينة عراقية تحت سيطرتها في الوقت الذي لاذ فيه الجيش العراقي بالفرار. ليبقى هنا استفهامان، اولا، استخدمت داعش في هجومها على الموصل صواريخ أوكرانية مضادة للدبابات من طراز “سكيف” وهي غير مطروحة في السوق السوداء مما يطرح سؤالا حول كيفية تمكن التنظيم من الحصول عليها؟.

ثانيا بماذا يمكن تفسير فرار الجيش العراقي، وان كان يرى بعض المحللين إنه اتفاق مسبق مع قادة العراق البعثيين لفتح المجال أمام داعش، الا أن هذا التحليل فيه بعض التعسف. فمن ناحية، العراق فعلا لا تمتلك اليوم جيشا كما جيشها في الماضي، فالجيش العراقي الحالي لا تحكمه عقيدة سياسية ولا عسكرية، وهو مبني على مكونات طائفية تطغى على حساب مصلحة الوطن، وما الفرار الا تجسيد لحالة الضعف والتخاذل وانهيار الروح العسكرية والوطنية في الجيش العراقي المتبع والمتدرب والمؤتمر من الادراة الأمريكية، كما هي تابعة ادارة العراق ككل للادارة الامريكية، لكن ومع كل هذه المعطيات هذا لا يعني هروب الجيش وترك الساحة والمال والدخيرة للارهابيين، وبالتالي وجب التساؤل من مهد لهذا الغزو السهل والسريع الذي يذكرنا بسقوط بغداد في يد القوات الأمريكية بسهولة بعد انهيار قوات حماية المدينة وهروب الجنود؟

ومن امر الجيش بالفرار؟

ولأن الانطلاقة كانت من العراق التابعة للسيطرة الامريكية، فمحور القوة وتحريك اللعبة يبقي دائما في العراق.. لماذا داعش تنشط بهذه السرعة والقوة الان؟ وهل لها علاقة بايران وتركيا وبقواعد اللعبة الامريكية في التغيير الضاغط على المنطقة العربية؟

الاجابة ربما نفهمها حينما نعود بالتاريخ الى الوراء ونقف عند دعم العرب لصدام حسين في حربه مع ايران بمباركة امريكا طبعا، والاجابة ستكون اكثر وضوحا عندما نفهم سماح امريكا لصدام حسين بغزو الكويت، وسوف نفهم ايضا لما هللت التيارات الإسلامية لهذا الغزو، ولماذا أيد حكام العرب جميعا قرار امريكا القاضي بسقوط دولة صدام حسين واعدامه.. لنصل الى ما وصل إليه الامر اليوم في المنطقة وفي العراق التي تؤسس دائما لنقطة البداية.

البديل القادم، او المخطط له، هو ان تتغير خارطة العالم العربي ككل بعد اجتياح داعش بأفكارها الجهادية السلفية المتطرفة بعد فشل المشروع السني، وان سيطرة داعش داخل معاقل الدول العربية وسعيها لإقامة خلافة العراق والشام سوف يضع المنطقة العربية ككل في حالة احتراب وقلق، وهذا ما يراد للمنطقة العربية التى ادركت خطورة اللعبة وخرجت من اطار فخها. وقد بدأت بمصر التي غيرت نظامها وعادت لطبيعتها بعد ان فهمت قواعد لعبة التغيير ونبذت التيار الإخواني المنغلق من حكمها.

وهاهي ليبيا تمشي على خطى مصر.. اما سوريا فمازلت تعافر واعتقد انها سوف تنجح. إذن ما المقصود من اكتساح داعش المفاجئ هذا للعراق بعد فشله السياسي والعسكري في سوريا، وبعد اخفاقه في ليبيا؟

تحريك داعش في العراق بهذه القوة والسرعة، ما هو الا تهديد صريح لأمن الخليج والمنطقة، اذا ما علمنا ان امريكا لن تتدخل ولن ترسل قطعا جنودها مجددا الى العراق، مما يضع المنطقة ككل على المحك، ويربك مصر ونظامها الجديد الذي صرح ان “امن الخليج” هو “امن مصر القومي”، وفي هذه الحالة وفي حال تعرض الخليج لخطر داعش يجب على مصر ان تسدد فاتورة الخليج باقصى سرعة، وهنا سوف نرى موقف السيسي من هذه الأزمة، وهو الذي ردد مرارا ان ما يفصل الجيش المصري عن امن الخليج وسلامته هو فقط “مسافة السكة”.

فهل هي “مسافة السكة” هذه التي تريد القوى المحركة لداعش لعبها كورقة لتهديد الاستقرار الخليجي وادخال الجيش المصري في حروب سوف تكلف مصر بالتأكيد الكثير وخصوصا ان الدولة لا تزال تنزف داخليا؟

اللعبة قاسية ومفتوحة على كل الاحتمالات حتى يتم ارهاق المنطقة بالبديل الجهول “داعش”، تلك الفزاعة التي كان يعلن عنها الإخوان لتهديد المصريين المعارضين لحكمهم بأن يقبلوا الإخوان أو يقبلوا بحكم السلفية المتشددة “داعش”، وسيطرة داعش على محافظات العراق يعنى أن ممالك الخليج على المحك، والمقصود منه جر مصر، ليس انتقاما من النظام الحالي لكن هكذا هي قواعد اللعبة الدولية، كشف اختبار  لتقرير المصير، يا أما الطاعة والاتباع أو الفوضى هي المصير. وبالنهاية، وفي غضون الايام المقبلة سوف نشهد صراعا من اجل البقاء، او بمعنى اصح صراعا بين التقليد والحداثة، بين العقل والهمجية والهوية، بين اللاعب المؤهل لقواعد اللعبة العالمية واللاعب الجهول الذي لا ينظر الا تحت اقدامه وبين جمهوريات عربية تتمسك بشعارات الوطنية. الايام المقبلة وحدها هي التي سوف تحدد اللاعب الأساسي في المنطقة العربية والذي ان حقق النجاح فسوف يشكل خارطة الرأي العام والعالمي مرة أخرى. كاتبة مغربية

فيديو 28 نوفمبر

البحث