اوباما يقرر التدخل بالتقسيط في العراق |
الخميس, 19 يونيو 2014 22:58 |
عبد الباري عطوان من تابع خطاب الرئيس باراك اوباما الذي ادلى به في ساعة متأخرة من عصر الخميس وخصصه للاوضاع في العراق ومنطقة الشرق الاوسط بشكل عام، يخرج بانطباع مفادة ان ادارته “مترددة” في التدخل العسكري في العراق وتخشى العواقب ولهذا لن ترسل عشرات آلاف الجنود بعد ان خسرت اربعة آلاف جندي، ولكنها مستعدة لتوجيه ضربات عسكرية جوية اذا “اقتضى الامر” ولكن هذه الضربات مشروطة وليست مجانية. ولعل النقطة الاهم في الخطاب كله والاجوبة التي رد فيها على اسئلة الصحافيين بعده، ان الرئيس الامريكي رفض رفضا مطلقا الاشارة بأي كلمة دعما او تزكية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، واستمراره في منصبه الحالي، ولمح، دون ان يصرح، الى انه لم يعد يصلح لقيادة جهود المصالحة في العراق عندما قال ان القادة الذين “يجمعون شمل العراقيين” وحدهم قادرون على مساعدة العراق، ولا نعتقد انه يصنف السيد المالكي ضمن هؤلاء، والا لقال ذلك صراحة، وطالب بالالتفاف حوله. ووضع المالكي في العراق ليس بالقوة التي يتمتع بها الرئيس بشار الاسد، لان هناك اطرافا شيعية مختلفة معه وتجاهر بذلك علنا، اي ان قاعدته الشيعية ليست موحدة خلفه. *** ازاحة السيد المالكي من موقعه الحالي قد تتاتى من خلال العملية الديمقراطية العراقية نفسها، ولم يتردد الرئيس الامريكي في الاشارة الى هذه النقطة عندما قال “ان كل الاحزاب ما زالت ملتزمة بتشكيل حكومة حسب الدستور”، وربما يكون التنسيق الامريكي المقبل مع ايران منصبا على تكوين تحالف عراقي وطني يشكل الحكومة الجديدة بدون رئاسة السيد المالكي، ويحظى بالثقة في البرلمان، واشار الرئيس اوباما الى قدرة ايران على لعب دور بناء في العراق تتمثل في اختيار بديل للسيد المالكي وهي قادرة على ذلك ان ارادت، فهناك العديد من القيادات الشيعية التي تتطلع بشوق الى هذه المهمة وتحظى بدعم طهران. خطاب الرئيس الامريكي كان حافلا بالرسائل المتعددة الاهداف والموجهة لعدة جهات، ابرزها لايران التي قال ان الفوضى على حدودها لا تخدمها ومصالحها وتشكل تهديدا لها، واخرى الى السنة في العراق عندما اكد ان بلاده لن تنحاز الى طائفة ضد اخرى، وان الطائفة السنية تعرضت للاهمال والتهميش ولم تلب مصالحها، وثالثة الى الجوار العراقي والخليجي بالذات عندما قال ان امريكا ستحمي حلفاءها ومصالحها. مهمة الحل السياسي المنتظر للازمة العراقية ستكون ملقاة على عاتق جون كيري وزير الخارجية الامريكي الذي سيتوجه الى المنطقة خلال الايام القليلة القادمة بتعليمات محددة من الرئيس اوباما ملخصها منع اتساع نطاق الحرب الاهلية من خلال وقف اعمال التحريض من الجانبين والايراني على وجه الخصوص باعتباره الطرف الاقوى، واطلاق عملية سياسية تؤدي الى حكومة وحدة وطنية عراقية تضم السنة والشيعة والاكراد، وعدم اعطاء ملجأ آمنا لمقاتلي الدولة الاسلامية في العراق وتجنيد جميع الاطراف لاعلان الحرب عليها. التدخل العسكري الامريكي في الازمة العراقية سيكون حذرا، ومشروطا بحكومة مقبولة من كل الاطراف او معظمها، وقيادة قادرة على التجميع لا التفريق، ولا نعتقد ان هذه الصفات تتوفر في السيد المالكي وان لم يقل الرئيس الامريكي هذا بصراحة ووضوح، ولكنه قال “لسنا نحن من نختار قادة العراق”، وهذه عبارة دبلوماسية حمالة الاوجه ومضللة، فامريكا هي التي اختارت المالكي لرئاسة الوزراء ورجحت كفته ولعب سفيرها زلماي خليل زادة الدور الاكبر في هذا الصدد. الايام المقبلة حاسمة فيما يتعلق بملف الازمة العراقية، ويبدو ان الرئيس الامريكي قذف بالكرة في ملعب الحكومة الايرانية، واستخدم معها اسلوب العصا والجزرة، ومضمون رسالته واضح: “تستطيعون القيام بدور بناء في العراق اذا احترمتم جميع الاطراف ولم تقدموا على خطوات تقود الى حرب اهلية، واذ لم تقوموا بهذا الدور البناء فان نيران الحرب الاهلية وما يترتب عليها من فوضى ستستمد الى داخل حدودكم”. التدخل الامريكي العسكري الذي يطلبه السيد المالكي وتحالفه لن يكون مجانيا، ومن اجل تثبيته في الحكم، والمضي قدما في نهجه التهميشي والاقصائي، وهذا كان واضحا في معظم نقاط خطاب اوباما، فما كان متبعا طوال السنوات الثماني الماضية من حكمه لن يستمر بعد انهيار قواته في الموصل. السؤال الذي يطرح نفسه هو عن الثمن او الجزرة، التي يمكن ان تحصل عليها ايران مقابل القيام بالدور البناء الذي يطالبها به اوباما؟ نتكهن بأن هناك عدة مكاسب يمكن ان تحصل عليها ايران في ظل اي تفاهم مع امريكا في الملف العراقي: الاول: مقايضة في الملفين السوري والعراقي، بحيث يذهب المالكي بطريقة ديمقراطية دستورية مقابل بقاء الرئيس بشار الاسد في سورية، باعتباره يقف في خندق مكافحة الارهاب، حسب التوصيف الايراني. *الثاني: الاعتراف بايران قوة اقليمية عظمى في المنطقة وتسريع رفع الحصار عنها، وتقديم تنازلات اضافية لها في المفاوضات المتعلقة بملفها النووي. *الثالث: التسليم بنفوذها القوي الحالي في العراق، ومحاولة القضاء على الجماعات الاسلامية المتشددة وخاصة الدول الاسلامية التي تهدد هذا النفوذ. التدخل العسكري الامريكي في العراق الذي بات يلوح في الافق، وبدأ من خلال الجولات الاستطلاعية لطائرات امريكية في الاجواء العراقية، وتعهد ادارة اوباما بارسال 300 مستشار عسكري الى بغداد لتدريب قوات المالكي العسكرية ومنع سقوط العاصمة العراقية في قبضة تحالف الدولة الاسلامية السني المتشدد، هذا التدخل لن يكون مأمون العواقب، وقد يعطي نتائج عكسية تماما اذا انحازت الادارة الامريكية لطرف ضد آخر ومحاولة التسليم بالامر الواقع الحالي “وترقيعه”، ولم تلب طموحات المحافظات السنية في العدالة والمشاركة في ادارة دفة البلاد. الرئيس اوباما كان صريحا عندما قال ان هذا التدخل يأتي من اجل النفط واستقرار اسواق الطاقة العراقية، واستقرار الاسواق لا يمكن ان يتحقق في ظل انفجار حرب اهلية، مما يعني ان الطرف الآخر والثائر في الازمة العراقية الحالية يملك اوراقا قوية لزعزعة هذا الاستقرار. امريكا تعود الى مسرح جريمتها في العراق ولكن بالتقسيط، ليس دفعة واحدة، على امل اصلاح اخطائها التي وقعت فيها طوال فترة الاحتلال، ولكن احتمالات النجاح هذه المرة قد لا تكون افضل من سابقاتها. *** تطويق الحرب الاهلية في العراق لن يكون عملية سهلة مضمونة العواقب، واي خطأ في الحسابات ترتكبه القيادتان “الحليفتان” الايرانية والامريكية قد يكون مكلفا جدا، لان وضع ايران في العراق مختلفا كليا عن وضعها في سورية التي لا تجاورها حدوديا، وعليها ان تتذكر دائما ان جرها الى حرب جديدة في العراق ضد جماعات مسلحة مكتفية مالا وعسكريا وتسليحيا قد يشكل استنزافا لها، وتشتيت لجهودها وثرواتها. ايران تملك الكثير الذي يمكن ان تخسره، لكن ماذا يمكن ان تخسر الدولة الاسلامية في العراق والشام والقوى الاخرى المتحالفة معها في العراق؟ الدولة الاسلامية، اختلف معها البعض او اتفق، باتت تشكل رقما صعبا في المعادلتين العراقية والسورية معا، واي خطة للقضاء عليها ستكون صعبة التنفيذ، فتنظيم “القاعدة” الام استمر في الوجود وتوسعت قاعدته وفروعه رغم الضربات القوية التي جرى توجيهها اليه، والشيء نفسه يقال عن التنظيم نفسه في سورية والعراق. التدخل الامريكي الاول اعطى تنظيم “القاعدة” وقوات المقاومة العراقية شريان حياة، وطوق نجاة، والمبرر الشرعي للتجنيد والعمل ضد الاحتلال الامريكي، والتدخل الثاني القادم قد يؤدي الى نتائج مماثلة خاصة اذا انحاز لطرف ضد آخر. الشيء المؤكد حتى الآن ان تقسيم العراق بات الحقيقة الاقوى التي تطل برأسها، وان احتمالات الحرب الاهلية اقوى الآن من اي وقت مصى. |