عادت “الخلافة” … فكان ماذا؟ |
السبت, 05 يوليو 2014 15:07 |
مصطفى الأنصاري بإعلان أبو بكر البغدادي ترقية “داعش” إلى “خلافة” و “إمارة للمؤمنين”، يكون قد نثر أخطر سهام كنانته، وأعلن حصاد السنين الخوالي، وتحققت له “الغلبة” كما يرى، فانتزع بذلك مقام آبائه الخلفاء، الذين بنوا بغداد، وكان أمر الله قدراً مقدوراً. ثم ماذا؟ البغدادي أوضح الخطوة التالية، وهي فتح باب الهجرة إليه، ليبدأ في توسيع رقعة “دار الإيمان”، بواسطة المهاجرين والأنصار، لنشر دين الله وفتح “دول الكفر” الذي تحيط به وتحاصره، “لتكون كلمة الله هي العليا”! لكن الخطوة التي أقدم عليها الرجل، على تطرفه الشديد، ليست جديدة في تاريخ الطامحين الى عرش “الخلافة”، سواء كانوا صحابة أو تابعين أو سنة أو شيعة. إلا أن القليل منهم من بلغ مناه. غير أن المحير في هذه “الخلافة” أن الداعين اليها، هم أكثر الكافرين بها تطبيقاً، فالبغدادي نفسه بمفهومه يعتبر خارجاً عن “خليفة المسلمين” أيمن الظواهري. وبات قتاله بأدبياته واجباً شرعياً حتى يعود إلى جماعة المسلمين. خصوصاً وأنه حتى الان، على اقراره بضلالات “القاعدة”، لم يعلن تنظيمه نصاً صريحاً بتكفيرهم. ومن وراء التنظيمات المتطرفة، تخلد الأفكار الرومانسية في أذهان الشعوب الإسلامية عن الخلافة، كما لو أنها “الفردوس المفقود”، ما وفر وقوداً سهلاً لأي تيار فكري، لكسب الأنصار والعواطف لمجرد دعواه بأنه خليفة أو ساع لاستردادها. حتى إن جماعة “الإخوان المسلمين”، قيل إن بين أكثر الأفكار التي ألهبت بها أفكار أتباعها إلى جانب شعارها الشهير، كان تهيئة الأمة لاستعادة الخلافة. فمؤسسها حسن البنا، رأى منذ البداية ان “الخلافة رمز للوحدة الاسلامية”، وان اعادة نظام الخلافة يشكل هدفا لجماعته. وإن اعتبر انه يتعين ان تسبق ذلك معاهدات تعاون بين الدول الاسلامية، ما يؤدي الى اقامة وحدة يقودها إمام متفق عليه. لكن التاريخ القريب للأقطار الإسلامية مليء بشهادات توثق تبرم العرب خصوصاً من “الخلفاء” الأتراك، ما دفع الغرب إلى النفخ في تلك المشاعر، حتى أججوا ما عرف بالثورة العربية، التي انتهت في نهاية المطاف بتهاوي “الخلافة” التي لم تكن هي الأخرى بريئة. ويوم حج ضابط روسي متنكر في العام 1898، وثق كيف أن “الخلافة” يومئذ لم تغن عن حجاج بيت الله الحرام شيئاً يذكر، على رغم أن إقامة ركن الحج كان منذ بداية البعثة النبوية، أهم أدوار إمام المسلمين، فإن عانى مثلما وثق الضابط الروسي، فإن جوانب الانهيار في ما سواه أكيدة. يقول عبد العزيز دولتشين – مسلم من أصل تتاري- ان “العثمانيين سلطتهم شكلية، وهم موجودون في المدن، وكذلك على الطريق بين جدة ومكة، ولكن سلطتهم في هذه الأماكن لا تحظى بالمكانة اللائقة، وظلت علاقتهم بالسكان علاقة عداء وانعدام ثقة، وهذا سبب انفلات الأمن، وتنهب القوافل المارة تحت سمع وبصر المخافر التركية على الطرقات بين المدن”. رحلات الحج. الجزء الثاني (335). ثم إن قيل ان هذا كان في آخر عهد العثمانيين بعدما هرمت دولة “الخلافة”، فإن جميع الفتن الكبرى التي وقعت في التاريخ الإسلامي، كانت في ظل وجود “الخلافة”، وهي الفتن التي ما زالت تكوي بنيرانها المسلمين. لا يعني ذلك أن الخلافة لم تكن أمراً إيجابياً في تاريخ المسلمين، لكن تعليق نهضة المسلمين بعودتها فكرة غير موضوعية، كما لا يعني ذلك أنه ليس من حق المسلمين أن يحلموا باتحاد قرارهم، وإذابة الفوارق السياسية الوهمية بين دولهم، مثل الاتحاد الأوروبي اليوم، الذي غدا نموذجاً للكون أجمع.
* نقلا عن “الحياة” اللندنية |