“نداء الكنانة” وصناعة الارهاب |
الجمعة, 12 يونيو 2015 20:49 |
وفاء صندي لم يكن لأحكام الاعدام التي طالت الدكتور محمد مرسي والشيخ محمد القرضاوي وباقي عناصر الاخوان ان تمر دون ان تخلف وراءها هيجانا وسيلا من ردود الافعال الهستيرية لدى اخوان العالم والسابحين في فلكهم، حيث كان اخرها البيان الصادر عما يزيد عن 150 عالما متشددا من دول عربية واسلامية وعشر هيئات إسلامية، وهو البيان المعروف بـ “نداء الكنانة”. “نداء الكنانة” الذي شن هجوما شرسا على الدولة المصرية ورموزها ومؤسساتها، وحرض على العنف والقتل ضد “الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتين والإعلاميين والسياسيين”، يكون بذلك قد كشف عن الوجه الحقيقي للإرهاب الذي تستر سابقا خلف مؤسسات وإيديولوجيات كانت تحظى بقبول لدى المجتمع الدولي، وبات اليوم مكشوفا امام الرأي العام بعدما تخلى عن خطاب السلمية الذي كان يتخفى وراءه، وظهر وجهه الحقيقي بعدما سقط القناع عن نواياه وخلفيته الدموية التي ترجمها البيان التحريضي الذي يتلقفه، للأسف، شباب مغيب او متحمس فيستمد منه مشروعية القتل، تحت غطاء “القصاص” و”الجهاد”. خطاب التحريض على العنف الذي صدّره بيان “نداء الكنانة” هو خطاب لا يمكن ان يصدر إلا من ألسنة الجاهلين بالدين او الذين طغت مصالحهم الايديولوجية على مصلحة استقرار الأوطان فصار شعارهم “اما نحن او بعدنا الخراب والطوفان”، وهو الخراب الذي يبحثون على نشره في ارض الكنانة، التي تقاوم الارهاب من ناحية وتحاول ان تنجو باقتصادها وان تدافع عن صورتها امام العالم، من ناحية اخرى، بعدما تأكد لهم استحالة تنفيذ مخططاتهم وقرب نهايتهم. فجاء البيان محرضا على القتل والدم كورقة مباشرة ومحددة يلعبونها من أجل الضغط على مصر اما التراجع عن مواقفها ضد الاخوان او احراقها. لكن هل سيقف العالم صامتا امام هذه التهديدات والتحريض على الارهاب الذي لن يطول مصر وحدها بل والمنطقة بالكامل؟ جاء في بيان من يطلقون على انفسهم “علماء الامة” ان القضاة والضباط والجنود وغيرهم “هم في حكم الشرع قتَلة، تسري عليهم أحكام القاتل، ويجب القصاص منهم بضوابطه الشرعية”، مستدلين بقوله تعالى «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا». وهذا الجزء من البيان لا يمكن اعتباره الا فتوى تحريضية على العنف والقتل. والمعروف ان صاحب الفتوى التي تحث على العنف هو المحرض المباشر لجرائم الإرهاب التي يتم فيها استغلال الشباب الحاقد او الطامع في جنة الاخرة كألية لتنفيذ مخططاته وجرائمه. واذا كان التحريض هو كل نشاط عمدي يهدف به صاحبه إلى دفع شخص ما إلى ارتكاب فعل يؤدي إلى وقوع جريمة، فالمحرض على الإرهاب هنا هو كل من وقّع على هذا البيان وقام بتوصيف الفعل الإجرامي فيه على أنه قصاص وتطبيق لشرع الله، مستغلا في ذلك التفسير الخاطئ للدين ليصنع منه فتوى يقنع بها الشباب التوجه إلى القتال. نحن اذن امام جريمة تحريض متكاملة الاركان يعاقب عليها القانون في كل دول العالم. فقانون العقوبات المصري نص في المادة 40 على انه “يعد شريكا فى الجريمة كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض”. وقد عاقب القانون المغربي “التحريض على ارتكاب الجريمة الإرهابية” و”القيام بأي فعل من أفعال الدعاية أو الإشادة أو الترويج لفائدة الكيانات أو التنظيمات أو العصابات أو الجماعات الإرهابية” بالسجن من 5 إلى 15 سنة وغرامة تتراوح بين 50 ألفا و500 ألف درهم. فيما ذهب قانون العقوبات الالماني في مادته 25/2 الى أنه “يعاقب كفاعل كل من ارتكب الفعل الإجرامي بنفسه أو عن طريق شخص آخر”، ليكون هنا فاعل الجريمة هو الفاعل غير المباشر لها والذي سخر شخصا آخر لإرتكابها، وهو ما يعرف بالفاعل “المعنوي” للجريمة. الجريمة اذن واحدة سواء عندنا او عند الغرب، وان كانت العقوبات متفاوتة. وكتنزيل لعقوبة جريمة التحريض على ارض الواقع اعتقلت الشرطة الألمانية بداية السنة الجارية أربعة أشخاص بتهمة الانتماء إلى تنظيم يميني متطرف يحرض على القيام بتفجيرات وأعمال عنف ضد المسلمين واللاجئين في ألمانيا. وقبل ذلك اعتقل الأمن التركي 24 شخصا لاتهامهم بجرائم إلكترونية ونشر مواد تحرّض على الفتنة والكراهية والعنف في مواقع التواصل الإجتماعي. وطالت اعتقالات جرائم التحريض على العنف اشخاصا في البحرين والجزائر والنيجير وغيرها.. فهل ستحرك اجراءات قانونية لاعتقال الموقعين على “نداء الكنانة” لتحريضهم على القتل؟ اذا كانت القوانين تذهب إلى الحكم على فعل التحريض بنفس عقوبة الفعل الإرهابي، او عقوبة اقل، فإن البيان الموقع من 150 متشددا من مختلف الاقطار العربية والإسلامية يضع مسؤولية الدول التي ينتمون إليها على المحك. فالقانون المغربي، مثلا، يجيز بخصوص بعض الجرائم المرتكبة خارج التراب المغربي “متابعة ومحاكمة كل شخص مغربي سواء كان يوجد داخل التراب الوطني أو خارجه، أو أجنبي يوجد فوق التراب الوطني المغربي من أجل ارتكابه جريمة إرهابية خارج المملكة المغربية بغض النظر عن أي مقتضى قانوني آخر”. إن مسؤولية الدول اليوم، في استراتيجيتها لمحاربة الارهاب، هي التصدي لمثل هذه البيانات وتنفيذ القانون ضد كل من يحرض على القتل والارهاب سواء داخل بلده او ضد بلد شقيق. مع ضرورة تفعيل الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب وتعاون السلطات القضائية والتعجيل في اتخاذ الاجراءات القانونية التي تردع هذه الفئة الضالة التي تهدد مستقبل ابنائنا وأوطاننا مستغلة الدين لتحقيق اغراضها السياسية التي لفظتها الشعوب.. اما دور المؤسسات الدينية فيبقى الانكباب على تفكيك خطابات التحريض على العنف والقتل وإنتاج خطابات بديلة تدعو إلى المحبة والصفاء والسلم والتعايش. فيما يبقى الرهان دائما على التنمية في شقيها المادي والروحي لمواجهة خطر الإرهاب ومحاربة العنف او التحريض عليه. نقلا عن راي اليوم اللندنية |