لطيفة اغبارية -28 نوفمبر

من يتابع جرائم احتلال الكيان الصهيوني لا يستغرب من الممارسات الهمجية والبربرية بحق أبناء شعبنا الفلسطيني من أطفال ورجال ونساء وشيوخ، فهذه طبيعتهم التي جبلوا عليها ورضعوها.. كم من مرّات كتبنا وانتقدنا الاعتداءات 

بحق البشر والمقدسات الدينية من مساجد وكنائس من قِبل قطعان المستوطنين الذين لا يتم ردعهم ولجمهم، لذلك  نجدهم لا يتوانون في مثل هذه السلوكيات، كما وأنّهم يعرفون أنّ “ندّهم” العربي المتمثل بالقيادات العربية قاطبة التي تبدع في فنّ التنديد والبيانات الجاهزة مسبقا، ثم بالقيادة والسلطة  الفلسطينية التي يكون ردّها في قمة الضعف والعجز، ولإزاحة “العبء” عن كاهلهم  يكون “أقصى” انجاز هو رفع القضية لمحكمة الجنايات الدولية!؛ مع العلم أنّ الآلاف حرقوا في القنابل العنقودية في غزة، ولم نجد أي انتصار لهم في أروقة المحاكم الغربية، والحال لن يختلف مع الطفل الرضيع علي الدوابشة من مدينة نابلس، والذي لن ينتصر له أحد.

لقد توّقعنا أن تعلن السلطة هذا اليوم المأساوي ليوم حداد وتقوم بتنكيس الأعلام السوداء، لكن هيهات أن يحدث ذلك!، وكالعادة فإنّ بطل الموقف هو شعار التنديد والاستنكار و”أفعال التسويف” المستقبلية “سنرفع القضية…” “سندّد…” و”سـ” .. وبين الجملة التي سخر منها صديقنا الفلاح الجزائري إسماعيل القاسمي الحسني، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي” الفيسبوك”، …والتي يردّدها قادة فلسطينيون “وقد حمّل فلان إسرائيل مسؤولية حرق الرضيع″… وكأنّ هناك جهة أخرى تتحمّل هذه المسؤولية، وبين “أفعال التسويف” والتنديد يستمر المستوطنون في حرق البشر والشجر والمنازل، وتصبح شعارات التسويف بمثابة إبر تخدير موضعية التي سرعان ما تزول وتعود الحياة لمجاريها.

الغرب المنحاز وعلى رأسه “أمريكا” وصفوا هذا العمل “بالاعتداء”، والذي لوم قام به شخص عربي لنُعت بالإرهابي والداعشي والهمجي، عدا أنّ  الدم العربي رخيص في كل مكان، وسعر قنينة  الماء أغلى منه.

ورحم الله المتنبي حينما قال :”ومن يهُن يسهل الهوان عليه، ما لجُرحٍ بميت إيلام”، فهذه أدقّ حالة توصيف تمرّ الأمة بها قاطبة. ******

عطلة الملك والربح الفرنسي

لا شكّ أنّ بلادنا العربية جميلة وفيها أماكن سياحيّة خلاّبة، رغم أنّ بعضها وللأسف تحوّلت إلى “خرابات” ودمار وأماكن غير آمنة، ويؤلمنا أن تكون خيرات العرب لـ”غير العرب”، فنحن نقوم بتعمير الدول الأوربيّة من خلال السفر إليها، ولسنا ضد ذلك، لكن من أليس من الأولى أن تحظى أوطاننا وشعوبنا التي تعاني من البطالة بهذه الخيرات. استفزّنا تقرير”فرنسا 24″ الذي أظهر سعادة وفرح فرنسا  ا بالأموال والأرباح التي سيقوم العاهل السعودي الملك سلمان وحاشيته التي وصلت لأكثر من ألف شخص بصرفها في رحلة الاستجمام على شاطئ “كوت دازور” جنوب فرنسا، في القصر الملكي هناك، رغم معارضة الفرنسيين في إغلاق الشاطئ.

شعرنا بمدى جشع الفرنسيين من أصحاب الفنادق الذين فرحوا بـ” الغزو” السعودي الذي سيملأ جيوبهم ويرفع من نسبة أرباحهم بشكل ملحوظ، إذ أنّه من المتوقّع أن تبلغ فاتورة الفنادق للسعوديين خلال تواجدهم لحوالي عشرين يومًا ما بين 8 و9 ملايين يورو للمنامة فقط، عدا عن الاستفادة المالية في القطاعات السياحية المختلفة، من مقتنيات مختلفة كالزهور التي يتم طلبها بأحجام كبيرة لا تستطيع السيارة حملها!.

دول “الغرب” التي تسعى لتعمير وتطوير بلادهم باستمرار لهم نصيب كبير من ثروات شعوبنا، لأنّ “الإفرنجي برنجي” كما كانت تقول جدّتي، ولو توقّف الأمر على ذلك لكنّا بخير، لكنّ المصيبة الكبرى هي ليست في عدم تعمير أوطاننا فحسب، بل قيامنا في تدميرها وسط تهليل وتصفيق الكثيرين.

كم كنّا سنكون سعداء لو كانت أوطاننا آمنة، ولو صُرفت هذه الأموال في بلادنا التي تعاني من البطالة والجوع وقلة فرص العرب، وليس في بلاد  عنصرية تبغضنا ولا تحبّ إلا نهبنا!.

*******

خلفان ونصر الله نتخيّل دوما نائب شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان كمن يجلس في برج عالٍ يراقب الأحداث ثمّ يعطي نصائحه المختلفة، ويطرح وجهة نظره الخاصة، ولسنا ضدّ حقّه في التعبير، لكن عندما يريد فرض سياسات معيّنة، فإنّ الأمر يختلف لأنّ موازين القوّة مختلفة أيضًا، ولأنّ هذه الدول أو الأحزاب ستسير حسب سياسته، لأنّ لها أجندتها وسياستها، وليس كل ما يقوله خلفان دائما هو منطقي. قبل سنوات طالب خلفان الرئيس السوري بشار الأسد بالتّنحي لإنقاذ سورية من أزمتها، وهذه المرة طالب “أهل الشام” بنزع الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله لأنّه فتيل فتنة في المنطقة، والنزع يأتي بالقوة وينتهي بإزالة الشخص. وبالمقابل فإن كل شخص يعلن الولاء والتبعية لإيران لا مكان له في الأمّة، حسب رأي خلفان، وهو بذلك يُصنّف المنطقة بطريقة طائفيّة، إلى سنيّة وشيعية.

لن نخوض في سياسة نصر الله في المنطقة وانتقاد البعض له بالتدخّل في الشأن السوري وهي نقطة جدل ومحور خلاف، لكن هذا لا ينفي بأنّ إيران ستصبح قوّة فاعلة لها تأثير كبير في السنوات القادمة، وإن لم يرق الأمر للكثيرين، ونظّن بأنّ “العِداء” لإيران والتخوّف من تغلغلها وإتّباع الولاء لها لا يتم  بالشعارات والتصريحات الناريّة، لأنّ من أعلنوا الولاء لها هربوا من الاستياء من أداء وسياسيات الدول “السُنيّة” التي يجب أن تبدأ في إرساء سياسات الإصلاح  والعدالة الحقيقية، وغيرها من الأمور والقضايا، وعدم الانشغال بإيران الذي لن يجلب لهم إلّا الصداع.

*كاتبة فلسطينيّة.

نقلا عن صحيفة رأي اليوم بتصرف  في العنوان دون تحريف..