“القدس العربي”: شهدت القاهرة على مدار الشهور القليلة الماضية تناميا واضحاً في ظاهرة “زنا المحارم”، كان آخر حلقاتها القبض على عائلة بمحافظة الجيزة تُمارس تلك الرذيلة بشكل جماعي، بين زوج وقرينته وزوجته وقرينها، وهو النبأ الذي نزل كالصاعقة على مسامع المصريين، خاصة أن سلط الضوء على واحدة من الإشكاليات الخطيرة، والمسكوت عنها في المجتمع المصري والعربي. الزوج في القضية الأخيرة برر السماح لزوجته بممارسة “زنا المحارم” مع أخيها، لأن أخوها هو الذي يقوم بالإنفاق على المنزل، وهي الاعترافات التي حملت قدرا واسعا من الوقاحة والانحلال، دفعت إلى موجة استياء كبرى تدور بالشارع المصري حول تلك القضية التي قد تتحول إلى ظاهرة مُجتمعية في السنوات المقبلة؛ من منطلق العديد من الإشكاليات المجتمعية والاقتصادية الأخرى.
عائلة الجيزة
وتحولت “عائلة الجيزة” إلى مثال حي وصريح لتلك الإشكالية الأخلاقية والدينية في المقام الأول، والتي سبقها العديد من الوقائع، غير أن تسليط الضوء على تلك القضية بصورة واسعة خلال الأيام القليلة الماضية جاء من منطلق الممارسة الجماعية لتلك الرذيلة، ما جعلها جريمة مضاعفة، بينما أخلت النيابة سبيل جميع المتهمين بعد رفض الزوجين والزوجتين تحرير محضر يتهم أي منهما بجريمة “الزنا”، رغم تقديم “الجيران” بلاغًا للسلطات المسؤولة حول تلك الوقائع.
ومن ثمَّ، باتت وقائع وجرائم “زنا المحارم” كشبحٍ يتنامى بقوة على وقع العديد من المشكلات الاقتصادية والمُجتمعية، وفي إطار انشغال الساسة وكثير من رجال وعلماء الدين الإسلامي والمسيحي أيضًا بالتطورات السياسية التي تشهدها القاهرة منذ 30 يونيو الماضي وحتى الآن.
مشكلات اقتصادية
وحول ذلك الشبح الذي يُهدد المجتمع المصري، يتحدث استاذ الطب النفسي البارز الدكتور جمال فرويز، راصدا أبرز الأسباب التي تدفع وراء تواجد تلك الظاهرة الخطيرة، وفي مقدمتها محدودية مساحة الوحدات السكنية التي يقطن فيها المصريون، فضلاً عن تنامي ظاهرة العشوائيات، بالإضافة إلى انتشار المخدرات، والانحدار الثقافي والخلقي الذي حدث في مصر على مدار الثلاثين عامًا الماضية.
ويؤرخ استاذ علم النفس لتنامي تلك الإشكاليات الخطيرة في المجتمع المصري إلى مرحلة الستينات، موضحًا أنه منذ التطورات السياسية في العام 1952، ومع سياسة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، ظهرت العديد من السلبيات بالمجتمع المصري، التي تفاقمت في الثلاثين عاما الأخيرة عقب أن انحدرت تدريجيًا وبصورة متوحشة، لتصبح تلك الظواهر غير الأخلاقية منتشرة على هذا النحو بالمجتمع، موضحًا أن التغلب على شبح “زنا المحارم” يمكن في الاهتمام بالوعي الثقافي، والحد من ظاهرة العشوائيات، ومواجهة المخدرات.
تكاليف الزواج
وفي السياق ذاته، تضيف خبيرة العلاقات الأسرية والزوجية فاطمة الشناوي، العديد من الأسباب التي دفعت لتنامي تلك الإشكالية بصورة واضحة خلال السنوات الأخيرة، أبرزها تأخر سن الزواج، الناتج عن ارتفاع تكاليفه بصورة باهظة، فضلاً عن ظاهرة سفر العديد من الآباء إلى بعض الدول العربية أو الأجنبية وترك الأبناء وحدهم بدون رقابة وهم في سن المراهقة، وكل هذا بالإضافة إلى التطور التكنولوجي الهائل الذي أغرى كثير من الشباب لمشاهدة الأفلام الجنسية. وتشير إلى أن انتشار “الإدمان” يؤدي إلى ظهور تلك الإشكاليات الخلقية الخطيرة أيضًا، موضحة أن “الإدمان” رابط مشترك بين كل قضايا “زنا المحارم” التي تشهدها مصر حاليًا، متطرقة بالحديث حول وقائع اغتصاب بعض الآباء لبناتهم، قائلة: للأسف هناك الكثير من الوقائع في هذا الإطار، وأعتقد أن الأب فيها يكون غير طبيعيًا، وليس سويًا، متجردًا من الدين والأخلاق.
بينما تظل الدولة في ذلك الإطار مُطالبة بالمزيد من الرقابة والتشريعات القاضية بتغليظ العقوبات على كل من يُدان في تلك الجرائم، فضلاً عن كونها مطالبة أيضًا بضرورة تكريس آلاتها الإعلامية ومنابرها المختلفة من أجل نشر الوعي الديني والثقافي بين المواطنين.
|