فروق بين العلمانية والإسلامية؟
الخميس, 29 مايو 2014 16:34

Abbass Brahamلسبب ما (نحن نعرف أنه سياسي وليس أكاديمي) تصاعد مؤخراً التنظير الموريتاني في مسألة العلمانية. ومن الجنرال عزيز إلى جميل منصور تأخذ الحاجة للتفصيل التنظيري في هذه القضية مداً متزايداً.

وبمناسبة التزايد فإن الشيخ مزيد دخل مؤخراً على الخط. وقد خرج بمعالم تسطيحية (باعترافه، وذلك لدوع منهجية) من 21 نقطة للتمييز بين دولة علمانية ودولة إسلامية.

هذه "المعالم" تحتوي على بنيوية مستعجلة. وتعبر عن عدم اعتبار جدي ليس فقط لميدان "العلماني" بل للمجال "الديني_السياسي" نفسه الذي من المفترض أن فقيها كلاسيكياً من أمثال الشيخ مزيد يفقهه أكثر من غيره.

يعتقد الشيخ أن العدل هو فرقٌ بين العلمانية والإسلامية. هذا تمييز غير جدي. العدل هو حقيقة عالمية، دينية أو غير دينية. وتغييبه من التقاليد العلمانية يهمل من الإطار النظري الذي سكه عمر بن الخطاب في شأن عضوية الدولة حيث يمكنها، وهي كافرة، أن تقوم على العدل.

الشيخ مزيد يأتي بنقاط إجرائية في القضاء ويعتبرها فرقاً بين العلمانية والإسلامية كقضايا براءة الذمة وعدم تجسس السلطة وحرية المواطنين وبراءة المتهم حتى تثبت إدانته. هذه تمييزات غير جدية. بل إن هذه الترسيمات الإجرائية تقوم في الدولة العلمانية أكثر من الدولة الدينية على اعتبار أن الأولى وسعت مفهوم المواطنة بتحريره من التمييز الديني إيجاباً أو سلباً.

الحديث أن الدولة الإسلامية هي دولة هداية وليست دولة جباية هو بلاغة، ولا أهمية له في نظرية الدولة، لأنه بلا معنى بيروقراطي أو إنتاجي. القول أن الدولة الإسلامية تعتمد على الشريعة حصراً (وليس مثلاً على العرف أو الاجتهادات غير المعقلنة دينياً بالضرورة والانعطافات في التقاليد الحكامية ثم إعادة تبريرها دينياً) يجهل أو ينكر تاريخ الدولة الإسلامية وعلاقات تداخل الخلافة والملك العضوض فيها. شرط الدولة الإسلامية بالإكليروس، أي بالعلماء، لا يستقيم تاريخياً. ولا شك أن العلماء كانوا جزءً اساسياً من الدولة الدينية، ولكن وظيفيتهم وبيروقراطيتهم ليست شرطاً لها. ونمط الخلافة الراشدة هو نمط حكم التقاليد وليس تيولوجيا بيروقراطية، كما يكرر أي مفكر إسلامي معاصر.

الشورى هو مبدأ غير متبلور بصفته المنطوقة المعاصرة لنا في تاريخ الإسلام. وهو، كمبدأ سياسي، هو أيدلوجيا حداثية، وليس مهماً في اشتراط الهوية الحتمية للنظام الإسلامي. ثم إن تطبيق الحدود الجنائية هو معلم ديني، لا شك، ولكنه ليس فرقاً بين دولة إسلامية ودولة علمانية. وقد عاشت الدول الإسلامية معظم عهودها بدون تطبيق الحدود الجنائية واستبدلتها بالأعراف القبلية أو أنظمة التسامح البديل أو العقوبات البديلة.

الحديث عن عروبة الدولة أو التعليم في إطار اشتراط سلامية الدولة هو نكتة. والعثمانيون أقصوا اللغة العربية وألقوا بها في عصر الانحطاط واستبدلوها إدارياً بالتركية أو حتى الفارسية. شرط فصل البنات والبنين في التعليم لإسلامية الدولة ينكر خصوصة الامومية البربرية التي سمحت بازدهار أخلاق إسلامية في موريتانيا وفي عمق نظامها التعلميم الديني المحظري. وحتى في مصر وسوريا ما قبل نابليون ساد نوع من تعايش الجنسين في الكتاتيب. بل وإن الانثروبولوجيين التاريخيين يدرسون علاقات تقاليد الفصل وبين تصورات حداثية دينية.

إن مشكلة التنظير بخصوص التمفصل ما بين العلمانية والإسلامية أنه يحتاج لخطاب فوق (meta) لدراسة الفروق بين الذأسطورة والحقيقة فيه. إنه ليس حقيقة، بل هو رغبة في تحقيق حقيقة.

----------------------------

من صفحة الأستاذ العباس برهام على الفيس بوك

فيديو 28 نوفمبر

البحث