هيكل: “الإخوان” جزء من مشروع حلف الأطلنطي |
السبت, 05 أبريل 2014 13:08 |
وصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الحالة التي تمر بها مصر والمنطقة العربية خلال الفترة الحالية، بأنها أقرب ما تكون إلى مواجهة طوفان، على غرار طوفان نبي الله نوح، مشيراً إلى أن الطوفان الحالي هو النتاج الطبيعي لما وصفه ب “سنوات التيه” التي عاشها الوطن العربي خلال الأربعين عاماً الماضية، وهو ما يبدو معه أننا أصبحنا “لا نحتاج فقط إلى سيدنا نوح لإنقاذنا من الطوفان، بل إلى موسى أيضاً” .
وقال هيكل إن الأزمة الحقيقية تتمثل في أننا “عجزنا عن توصيف اللحظة الراهنة التي يعيشها العالم العربي في مواجهة الطوفان”، مشيراً إلى أن 25 يناير كانت أشبه ب “زلزال كبير هز الساحة المصرية والعربية المكتظة بالقضايا والمشاكل”، وأوضح أن الزلزال أدى إلى انهيار سدود كانت تحجز خلفها العديد من الأخطاء والخطايا، رغم أننا لاحظنا شقوقاً عدة في بعض الفترات، واكتفينا فقط بمحاولة ترميمها، سواء في عصر مبارك أو التوريث أو الإخوان . وكان الكاتب الكبير يتحدث إلى الإعلامية لميس الحديدي، الليلة الماضية، في حوار جديد حمل عنوان “جسر إلى المستقبل”، وقال إن “خطايانا كبيرة وذنوبنا كبيرة”، مشيراً إلى أن الإخوان كانوا جزءاً من هذا الماضي واستحكموا بالسور، لكنهم انجرفوا من قبل الطوفان، قبل أن يأتوا معه . وقال “هم جزء من مشروع حلف الأطلنطي ودول أوروبا الغربية وتركيا وقطر وغيرها . . وإسرائيل” . قال هيكل إن المصريين ربما كانوا بحاجة إلى مشاهدة فيلم “نوح” الذي حظر الأزهر عرضه في مصر، لاستلهام الدروس والعبر، مشيراً إلى أن الساحة الحالية في مصر مملوءة بالحطام فيما الناس عالقة على الصخور، ومنهم من يتعلق بقشة لكنه في الوقت ذاته يعظ، هو مشهد غاية في العبث . وأضاف “أي جسر للمستقبل لابد أن يتجاوز هذا العبث، ويقفز إلى ما هو قادم، ومن ثم فإن أول خطوة على طريق الخروج من هذا المأزق، هو أن نتعلم كيف نتصرف في الطوفان” . ولفت هيكل إلى ما وصفه ب “الأخطاء الاستراتيجية الكبرى” التي ارتكبتها مصر والعالم العربي على مدار الأربعين عاماً الماضية، مشيرا إلى أن خطايانا لم تتوقف عند هذا الحد، ولكنها امتدت إلى أخطاء في حسابات التاريخ والجغرافيا، أدت إلى انفصالنا عن العالم، وقد تصورنا حينذاك أن جسراً واحداً يكفي، وهو الجسر الأمريكي كمدخل للرخاء، فأعطينا المستقبل كلية لأمريكا، واعتمدنا عليها في كل شيء كباعث للرخاء، والنتيجة أن مصر خرجت من العالم العربي وإفريقيا، وقال “مشكلة مصر أنها لا تستطيع صياغة خريطة مصالحها الاستراتيجية في المستقبل في هذه اللحظة القائمة بهذه الإمكانات المتاحة” . وقال إن الطوفان الذي تتعرض له المنطقة العربية جارف، لكن يجب أن يظل الهدف الذي نصبو إليه، هو كيف نخرج منه، مضيفاً “نحن مضطرون إلى بناء أو اكتشاف جسر للصعود عليه، يكاد يكون مثل الصراط المستقيم، جسر نحدد من خلاله أين طريق السلامة، لأننا إذا ما وقفنا عند تفاصيل كل ما هو جار، سواء الأرض المحروقة أو تلك الغارقة أو الصخرية، فلن نفعل شيئاً، لابد أن نتجاوز كل هذا، إلى ما هو عاجل، لكي نضع أقدامنا على طريق يمكن من خلاله التفكير في تجفيف الأرض والبحث عن العلاج” . وأوضح الكاتب الكبير أن مصر أمام أزمة ملحة لها عناصر وعوامل، مشيرا إلى أن أول عاجل يتعين على مصر الاشتباك معه بسرعة هو الأمن، وقال “ليس الأمن البوليسي بالطبع، وثاني عاجل هو كيف يمكن إدارة أزمة مثل أزمة الطاقة؟” . ولفت إلى توقف نحو 4000 مصنع في مصر عن العمل، بسب أزمة الطاقة وغيرها، مشيراً إلى أن قضية العدالة الاجتماعية التي اندلعت من أجلها ثورة 25 يناير أيضاً من الملفات العاجلة، لكنه قال إن الطريقة التي جرت بها حملت الخطأ، وأضاف إن الطريقة والعشوائية التي تمت بها، مثلت خطأ كبيراً، لذا فقد أخطأت الثورة السبيل، لأن الهدف كان سريعاً جداً، وقد كنا نريد أن نجد ضحايا وقرابين دائماً لتقديمهم إلى الآلهة الغاضبة في الشارع، أو أن نعطيهم جثثاً يتم إلهاؤهم بها، بينما كنا في هذه اللحظة نحتاج بقوة إلى نوع من العدالة الانتقالية . وقال هيكل “أعرف أن هناك ضرورة للحساب عما جرى، لكن الضرورة في اللحظة الراهنة والعاجل الأكبر هو الأمن، فلا يمكن التفكير في ظل أمن مختل، وهذا جزء من هدف الإخوان، أن ننشغل بالأمن وخطر سقوط الدولة، عن المستقبل” . ووصف هيكل المشير عبد الفتاح السيسي بأنه “مرشح الضرورة في الاستحقاق الرئاسي المصري”، مشيراً إلى أنه رجل قادم من المؤسسة الوحيدة المنظمة الباقية والقادرة في مصر بعد ثورة 25 يناير . وقال إنه “قد يكون الأنسب في هذه الظروف إزاء التحديات الراهنة، كونه الرجل القادم من المؤسسة الأكثر اتصالاً بوسائل العصر، والأكثر خبرة وإدارة وتمويلاً، فضلاً على ما تملكه من سلاح، فيما نحن نواجه السلاح في كل مكان” . وسخر هيكل من مصطلح “عسكرة الدولة” الذي تروج له بعض القوى السياسية في الداخل والخارج، مشيراً إلى أن السؤال هنا هو “هل نحن نبحث عن زي أم نبحث عن رجل؟، وقال “في بعض الأحيان وبعض المواقف، يصبح الرجل القادم من المؤسسة العسكرية هو الحل، وبخاصة في الموقف الراهن على وجه الخصوص، فمصر مهددة في سيناء، ومهدد في ليبيا، فضلاً عن كونها مهددة بالأخطار الخاصة بالأمن الداخلي، والحروب الأهلية التي انفجرت في المنطقة العربية، وهي كذلك مهددة بتهديدات إقليمية ودولية، وفي هذه اللحظة فإن المرشح الأقدر هو الرجل القادم من القوات المسلحة” . ولفت هيكل إلى المرشح الرئاسي حمدين صباحي، مشيراً إلى أنه منحه صوته من قبل، “ويقدر مزايا كثيرة فيه” لكنه أضاف أن المرحلة المقبلة سوف تعتمد اعتماداً كبيراً جداً على القوات المسلحة، وقال “في هذه المرحلة لا بد وأن تصدر الأوامر للسلطة العليا بطريقة مقنعة، وقد سألت حمدين صباحي هل أنت قادر على ذلك، فقال إنه يقدر، لكني هنا لا أستطيع تصور أنه يقدر، وهذا في الحقيقة ليس ذنبه، لأننا أمام تحديات مصيرية . وقال هيكل: “صباحي رجل لديه قبول، لكني في النهاية لم أجربه وقت الأزمة” . ونفى الكاتب الكبير أن تكون له علاقة من قريب أو بعيد بالحملة الرئاسية للمشير السيسي، معرباً عن صدمته فيما تردد عن وجوده على رأس هذه الحملة، وقال: “أنا أعتقد أنه لا ينبغي أن يكون للمرشح عبد الفتاح السيسي لا برنامج ولا حملة، فإذا كان البرنامج هو حل الأزمة، فهو برأيي الرجل القادر على المواجهة في هذه اللحظة، ومن ثم فإن برنامجه العاجل هو الأزمة، لذا فإنني أعتقد أنه ليس المرشح الذي يحتاج لحملة” . وعرج الكاتب الكبير على الملف القطري، وقال: “عندما أجد مصر غاضبة مما يحدث من قطر، فإني أحزن ليس على قطر، وإنما على مصر، لأن مجرد فكرة أن تمثل قطر خطراً على مصر، فهذا شيء مؤلم للغاية”، وأضاف: “في عام 56 حاول البعض استغلال ضعف مصر، فانطلقت 9 محطات إذاعية، إلى جانب الآلة الإعلامية للدول الكبرى، في محاولة لهدم عزيمة مصر، لكنها ظلت ماضية قدماً في طريقها، وتقوم بالحرب والتأميم” . ولفت هيكل إلى استخدام أجهزة الاستخبارات الأجنبية لقوى الإسلام السياسي، وصناعتها وترويجها كوحوش جديدة في المنطقة لتنفيذ مخططاتها، مشيراً إلى أن هذه الوحوش التي قامت الدول الغربية الكبرى بتربيتها، خرجت مع الوقت عن سيطرتها، خاصة أن تكاليف وجودها أصبح أكبر من فائدتها، وقال: “نحن أمام دول استعملت الإسلام السياسي والإخوان ضد شعوبها وضد الوطنية، وقد استخدمت إنجلترا في وقت عبد الناصر الإخوان للإضرار بالوطنية والقومية، والغريب أن انجلترا التي عاشت في هدنة كبيرة مع هذه القوى، لجأت مؤخراً إلى فكرة إعادة التقييم للتيارات الإسلامية الموجودة على أراضيها، بعدما أصبحت أماكن عدة في لندن مغلقة على هذه القوى” . وعاد هيكل للحديث مجدداً عن الجيش المصري، ووصفه بأنه كان الأكثر تضرراً من خطايا الأربعين عاماً الماضية، مشيراً إلى أنه برغم ما واجهه من تغيرات فإنه يظل أكبر قارب إنقاذ من الطوفان، وقال: “الجيوش الآن أصبحت تتعدى دورها في حمل السلاح، إلى لعب دور في الاستراتيجية العامة للأوطان، وأنا أريد الجيش المصري في الساحة لخدمة الأمن القومي، الذي تعددت أوجه الحفاظ عليه”، وأضاف: “هناك فرق بين جيش في الحياة الوطنية، وبين جيش يريد أن يتسلط” . وقال: لقد ظلمنا الجيش مراراً، عندما أدخلناه في مدرسة الحروب وهو غير مستعد لها، وقد حدث ذلك بدءا من العام 48 مرورا بعام 67 وعام ،73 وقد نجح هذا الجيش في صناعة معجزة في الأيام العشرة الأولى لحرب أكتوبر، قبل أن تغير السياسة بعد ذلك الخارطة . وعرج على الحرب الدائرة على الإرهاب في سيناء، مشيراً إلى أن الأعداد الموجودة من الإرهابيين في سيناء، لا تزال محدودة وتتراوح ما بين 2000 إلى 2800 فقط من المنتمين للقاعدة، وهو ما يعني أنهم مجرد جيب لا يخشى منه كثيراً، لأنه في النهاية محصور بين الجيش المصري من جهة، ومع الجانب “الإسرائيلي” بكل أسف من جهة أخرى .
وقال إن ما يمثل قلقاً حقيقياً هو الجبهة الغربية ناحية الحدود الليبية، بسبب “الفوضى العارمة، ووجود عشرات الميليشيات”، فضلاً عن الأموال التي تتدفق بكثرة على هذه الميليشيات والأسلحة الموجودة معها من دون قيود . وأضاف: أنا أرى خططاً وأوراقاً، وبعض هذه الميليشيات تريد الوصول صوب مرسى مطروح، ثم تقف هناك، وأنا عندما أنظر إلى الخريطة، فأنني أرى خطأ كبيراً ارتكب عام ،34 عندما قامت حكومة صدقي باشا بالتنازل عن “جغبوب” في ليبيا لإيطاليا تحت ضغط الإنجليز، لكن المقلق أكثر هو الشمال، لأن في طرابلس نظاماً وميليشيات مسلحة، القاعدة ضالعة فيها . وأضاف أن المخطط الذي تم إفشاله في 30 يونيو أكبر بكثير مما نتصور، لأن هناك مشروعاً تركياً لتنظيم المنطقة، فيما نحن في وضع أشبه بمن ضرب بالنبل فأسقط نسراً .
المصدر: “الخليج” |