صبري الحو
قام المغرب بعمليات أمنية وقائية واحترازية في منطقة الكركارات، التي تقع خلف الجدار الدفاعي في اتجاه الحدود المغربية الموريتانية، حيث تم تمشيطها، وتطهيرها من مخلفات التهريب، عبر إخلائها من عربات متخلى عنها، أو هي قيد التزوير، وتغيير الصفائح والإطارات، أو معدة للبيع لجهات مشكوك في نواياها ومخططاتها، كما بدأ المغرب في تعبيد مسافة من الطريق التي تخترق المنطقة، والتي كانت تعيق مرونة
حركة نقل البضائع والمسافرين.
غير أن التحرك المغربي، ووجه برسائل احتجاج، وتظلمات من جبهة البوليساريو إلى الأمين العام للأمم المتحدة برفض العملية، واعتبارها خرقا لوقف إطلاق النار. ووصل الأمر إلى طلب فنيزويلا، وهي عضو مؤقت داخل مجلس الأمن إلى اجتماع طارئ للأخير لتدارس الوضع الجديد الذي تتظلم منه البوليساريو.
غير أن المفاجئة بمثابة صدمة، وقرف البوليساريو، تمثل في نفي الأمانة العامة للأمم المتحدة ، و المينورسو رصدها أو علمها بأي خرق لوقف إطلاق النار، خلافا لادعاءات البوليساريو، فدعى مجلس الأمن في اجتماع مغلق بمزيد من التحقيق ، والتحري في الموضوع.
وهو ما أجبر البوليساريو إلى اتخاذ خطوة البحث، وتوفير حجة تتبث بها صحة خروج القوات المغربية الحربية خارج الجدار الدفاعي، الذي كانت تتمركز فيه، عبر إرسالها لرثل عسكري الى منطقة الكركرات، حيث تجري عمليات تعبيد المغرب لتلك الطريق، تحت حراسة القوات المغربية، و منعها لتقدم ، واستمرار أشغال تعبيد الطريق، وفرضت بذلك واقعا جديدا على المغرب و على الأمم المتحدة على السواء.
إذ تولد عن الوضع القائم و الجديد، مستجد آخر، هو تحرك الأمم المتحدة عبر المينورسو إلى عين المكان، حيث عاينت صحة وجود قوات مغربية وأخرى للبوليساريو مرابطتان بالقرب على مسافة قريبة بينهما. وهو حالة تنذر بالتصعيد، و من المحتمل خروج الأمر عن زمام السيطرة وانتقاله إلى صراع، تحث مزاج عنصر من العناصر المرابطة بالمكان.
وهو ما جعل بان كي مون يطالب بتوقيف كل عمل يؤثر على الوضع القائم، و سحب كل العناصر المسلحين درءا لمزيد من التصعيد، واحترام ترتيبات وقف اطلاق النار، الذي يمنع اي توغل في الشريط الفاصل، والدخول في مفاوضات لتهدئة الوضع، وحل النزاع العارض،
غير أن السؤال الذي يحتاج إلى جواب أمام امتحان القوة، و بغض النظر عن مخارجه المُحتملة، لا يكمن في إعطاء ، أو شرح ، أو تأكيد لأحقية المغرب في المنطقة من عدمها؟ وهل يعتبر تصرفه خرقا لوقف لاطلاق النار أم لا؟ وما طبيعة تلك المنطقة؟ ومن يسيطر عليها؟ ولماذا بقيت بدون حيازة مادية وفعلية بالضم والسبطرة؟ فذلك أسئلة إنكارية، لأن الجميع يدرك تقابل حجج الأطراف وتناقضها؟
بل إن السؤال يكمن في دواعي وأسباب التحرك المغربي؟ وعلى أي أساس؟ وهل أعد المغرب خطة محكمة لهذا التحرك أم لا؟ وهل تم بحثها وتمحيصها، وتدقيقها؟ واستحضار حسابات البوليساريو و دول الجوار؟ أم ردة فعل آنية استدعتها ظروف طارئة؟ و الأهم من كل هذا وذاك، هل تحقق جزء، ومكسب من الخطوة؟ أم فشلت، و زادت الأمور تعقيدا؟.
إن التعقيد الجديدة تجلى في أن البوليساريو تمكن، و من موقع المستجيب، من فرض خطة تدارسها في اجتماعين أوثلاث على المغرب، و على الأمم المتحدة على السواء!. فإن كانت مآرب المغرب إنزال العلم الموريتاني من لكويرة، وتجسيد مغربيتها، فإن شيئا من ذلك لم يقع، ولم يسعى إليه من أصله! .
وإن كان المراد تعبيد الطريق، التي تخترق الكركارات، في اتجاه الحدود الموريتانية، فإنها لم تتم! وإن كانت طعما لاستفزاز قوات البوليساريو، وجس نبضها في حقيقة عزمها استئناف الحرب، فقد أظهرت ذلك الإستعداد، وإن بادر المغرب إلى افشال تنسيق دولتي الجوار والبوليساريو، فإنه وقع في شباكها.
وبالمقابل، فإن البوليساريو سجل تدخله ودخوله إلى منطقة اعتبرها المغرب له وتقبع تحت سيادته، وحضر فعلا إلى مكان إنجاز المغرب اشغال تعبيد الطريق، وعلى بعد مائتي مترا من القوات المغربية، واستدعى الأمر حضور المينورسو، التي لم تكن المنطقة تحت مراقبتها،
بل إن الأمين العام طلب تعليق كل عمل يؤثر على الوضع القائم، وهو طلب موجه إلى المغرب، باعتباره من يقوم بتعبيد الطريق. كما طالب بسحب كل العناصر المسلحة من عين المكان، وهو طلب يطال المغرب أيضا، و كل ذلك يسحب دفوعات المغرب المؤسسة على سيادته على المنطقة، القوة التي كانت تتمتع بها، كما أن المغرب لم يستطع تنبيه الأمم المتحدة تغاضيها عن يابق تدخلات البوليساريو شرق الجدار الدفاعي، أو لربما هذا جزء من خطة المغرب المستقبلية.
غير أن القصة لم تنته بعد، فهذه نقطة البداية لشوط أو أشواط أخرى، تنذر بالأسوأ، فقد ضاق مجال مناورات الأطراف جميعها، دون استثناء، بما فيه طرفي النزاع، المغرب والبوليساريو، ودولتي الجوار الجزائر وموريتانيا، ديبلوماسيا وسياسيا، ونفسيا، وقد يضيق أكثر في الحرب الشاملة من حيث لا يدرون، فهي ليست نزهة.
محامي بمكناس،
خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء