كتبت قبل أسابيع عن تشابه الأمراض الفكرية بين التيارين المحافظ والتقدمي - وإن اختلفت الأعراض - ، وأوردتُ بعض المقارنات لتذليل الدليل وتقريب الفكرة .
لكن موضوع المرأة ظل محور الصراع الفكري ، باعتبارها مادة المحافظة والتنوير معا .
فبالنسبة للتيارات المحافظة يعتبر تحرير المرأة هو مفتاح التحلل الثقافي والانحراف الديني وهدم الهوية.
وبالنسبه للتيارات التقدمية يعتبر تحرير المرأة محور عملية التنوير وقطب رحاها .
وأعرج دائما على حربِ اليمينين المستعرة ، والتي تعيق وتشوه خارطة الوعي الجمعي .
فبين هذين اليمينين لا تجد المرأة طريقا لمواكبة العصر غير أن تتدرج في تحرير جسدها من سيطرة اي ساتر لمفاتنها .
ولا تجد طريقا للمحافظة غير أن تتقوقع ضمن المنظومة الجبرية للمجتمع البدوي بكل ما لذلك من تبعات .
الحقيقة الغائبة بين هذين اليمينين هي أن المعاصرة لا تتعلق باستفزاز الهرمونات ولا استعراض الجسد .
وان المحافظة لا تتعلق بالجهل والخنوع لقيم الذكورة البدوية .
للمرأة أن تخرج إلى وسط مريح وواسع لتصنع قيما للمعاصرة مشحونة بأصالة وقيم المحافظة .
لها أن تقول للتقدميين أن يشتهوا جسدها في مخيلاتهم دون أن تكون هي مادة هذه الشهوة أو وسيلة إشباعها .
وتقول للمحافظين أنها ليست أداة من متاع البيت يتم التصرف بها وفق التراضي بين طرفين .
لها أن تمتلك قرارها وإرادتها وأن تخرج لميادين العلم والعمل والحياة دون أن تكون ساقطة أو مارقة أو متبرجة .
لها أن ترسم معالم طريقها بعيدا عن من يرى جسدها عارا وملكية خاصة أو يريده مشاعا وملكية عامة .
لها أن تفكر في ما ينبغي بعين إرادتها لا بعين مشتهيها .
وقعت هذه المرأة في ورطة بين قطبي ذكورة شبقة ، أحدهما يريدها للمتعة والانجاب ويحتكرها لذلك ، وآخر يريدها زينة الشوارع والمحلات والأماكن العامة ، ويتحدث عنها ضمن فلسفة الجمال وليس ضمن فلسفة الإنسان .
على المرأة أن تخرج بخطة عمل مصدرها عقل علوي ، يدرك أن المحرم أمر إلهي لا يقف عائقا أمام الحياة .
وأن المباح بحبوحة عظيمة يمكن أن تسمو فيها بروحها وعقلها دون أن تطرح جسدها لمناقصة أو مزايدة بين يمينين .
وعلى الرجل أن يقيل عقله السفلي عندما يفكر في تقدم أمة أو تذكيرها بنفسها .
ويدرك أن التفكير الفحولي لا يقود لنهضة ولا يدعو لفضيلة .
-----------
من صفحة الأستاذ محمد أفو على الفيس بوك