خاص 28 نوفمبر: منذ وصوله إلى السلطة منقلبا 8 أغشت 2008 ومنتخبا يوليو 2009 لم تهتز صورة الرئيس محمد ولد عبد العزيز أمام الرأي العام الموريتاني كما هي عليه في الأشهر الثلاثة الماضية. ضربات سياسية وأمنية خلال الفترة الوجيرة تطرح مجموعة من علامات الاستفهام لدى المراقبين للشأن المحلي الداخلي حول المستفيد من تطاير شظايا نيران صديقة تحرج النظام وتظهره أمام الرأي العام المحلي مترنحا وهو الذي طالما وصف رأس الهرم داخله بالقدرة على الحسم واتخاذ القرارات المناسبة في أوقات الحاجة.
الشيوخ وانتفاضتهم في وجه السلطة التنفيذية على غير العادة كانت أبلغ تلك الرصاصات في الضرب بمقتل على صعد عدة، فليس من عادة النظام السياسي الموريتاني منذو الاستقلال إلى اليوم أن تعصي مؤسسة من المؤسسات منتخبة كانت أو معينة أوامر القصر وساكنيه إلى درجة أنه كان تلميح مقرب من السلطة بتوجه ما كافيا لاصطفاف "الأغلبية" وتلميع ذالك التوجه بغض النظر عن تمحيصه أو قبوله.
الاستثناء الوحيد حدث عندما اعتقد الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله أن بإمكانه قلب الطاولة على مهندسيها وكانت النتيجة على النحو الذي نتذكره جميعا.
العارفون بالشأن العام يشيرون إلى أن مهرجان مدينة النعمة قبل أكثر من عام أسس للوضع الذي نعيشه اليوم. خلال ذالك المهرجان خاطب الرئيس محمد ولد عبد العزيز الرأي العام الموريتاني من خلال سكان المدينة معلنا عزمه حل مجلس الشيوخ وهو قرار بدا تأسيسا على ما أعقبه أنه لم يتخذ بإجماع "الشلة" ومن هنا بدأت المتاعب تتسلل إلى صفوف الأغلبية، وزراء يصفون المجلس بأبشع الالفاظ استدرارا لعطف الرئيس، وأعضاء في المجلس يصنفون ضمن دائرة المحميين من "الكبار" يشكلون لجنة مهمتها إعادة الاعتبار لمؤسسة تشريعية يرون أنها تتعرض للتنقيص من السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية و أعضاء حكومته. ولعدة أشهر استمر السجال وجلسات العتاب والترضية بين الطرفين حتى حان موعد جلسة التصويت على التعديلات الدستورية داخل المجلس لتظهر أن غضب "الشيوخ" لم تحد منه مراوغات من يوصفون بالمراهقة السياسية في الحزب والحكومة.
عندها قرر الرئيس بنفسه المواجهة وعقد مؤتمرا صحفيا قيل إن رفقاء السلاح أشاروا بالتريث في عقده غير أن الشعور بالصدمة دفع الرئيس إلى إعلان خياراته المتمثلة في اللجوء إلى الاستفتاء أمام الرأي العام وأظهر المؤتمر الصحفي ما تردد كثيرا عن عمق الخلاف داخل الأغلبية الحاكمة. وإلى اليوم لازال الحال على ما هو عليه رغم حملات التحسيس الممهدة للإستفتاء والتي يتحدث عنها الإعلام العمومي.
الأغلبية الحاكمة اليوم في وضع صعب ويطرح أسئلة كثيرة، من الناحية السياسية يعتبر إعلان الرئيس عزمه عدم الترشح لمأمورية ثالثة سببا كافيا للبلبلة التي نعيشها اليوم لأسباب عدة، حيث ينتظر خلال عامين أن يدير القصر الرمادي رئيس جديد ومن هنا فإن الأغلبية الحالية بدأت تراجع حساباتها وتنسج تحالفاتها اعتمادا على هذا التقدير. لذا يرى بعض المحللين أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز دفع إلى التسرع في إعلان نيته مغادرة الرئاسة تمهيدا إلى تشكل نواة جديدة داخل مؤسسة الحكم تمهد لما بعد 2019.
قانون السير الجديد والسطو على بنك بالعاصمة في وضح النهار مجرد تفاصيل في حالة "الغليان" داخل أجنحة السلطة على نحو لا يؤلف في الحياة السياسية الموريتانية. وهي أمور تدفع إلى الاعتقاد بأنه يتم الاستعداد لجعل الأيام الأخيرة للرئيس محمد ولد عبد العزيز في القصر الرئاسي مشحونة بالتوترات سعيا إلى الحصول على تنازلات من قبله بشأن التخطيط لاستخلاف هذا الجناح أو تقويض ذاك بهدف إنضاج تصور يهيئ الأرضية لمن سيحكم البلاد بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.